: آخر تحديث

العوككة العالمية

2
2
2

أحمد المغلوث

عندما كنت أشاهد طوال الشهور ما بعد 7 أكتوبر وكيف كان الأشقاء في غزة يحملون علي ظهورهم أطفالهم خلال هروبهم من مكان إلى مكان بحثا عن مكان آمن، كانت تخنقني العبرة لمعاناتهم.

بل كم وكم مرة سالت الدموع من عيوني وعيون الملايين في العالم عندما كنا نشاهد المشاهد المأساوية.. وصواريخ تدميرية، وعلى عينك يا تاجر بل بُحّت أصوات الأمم المتحدة التي تطالب بوقف ما حدث وما زال يحدث، هذا وحمل الابن أو الابنة على الظهر ظاهرة عالمية بل بدأت منذ الخليقة أيام لم يكن الإنسان البدائي على معرفة بوسائل النقل، وبالتالي كانت الوسيلة الوحيدة هي حمل الأطفال الصغار على ظهورهم حتى داخل قماش يربط على ظهورهم، كما هو مشاهد حتى اليوم في أفريقيا وشرق آسيا؛ فالأمهات بحكم قيامهن في بيوتهن أو حتى حقولهن أو مزارعهن، وهذا ما يفعله الرجال أيضا الذين يعملون مع زوجاتهم ولديهم الكثير من الأطفال الذين يحتاجون ليكونوا بجوارهم وضمن رعايتهم؛ خوفا من تعرضهم لضرر..!

مشاهد نشاهدها في دول عديدة، وفي كل قارات العالم، وخلال زيارة عمل للبيت الأبيض قام أولن ماسك الشهير بحمل طفله على ظهره في مشهد لطيف ومحبب وشاهد ذلك كل العالم، بل أكد المشهد للملايين في كل مكان أن حمل الطفل علي الظهر (العوككة) لعبة تراثية تتوارثها الأجيال مع اختلاف طريقة الحمل، حمل مباشر أم داخل لفة قماشية أو جلدية.

هذا وتنوعت طرق حمل الطفل في «العوككة» حسب بيئة وتراث كل دولة إلا أنها تثير إحساسا لطيفا ومحببا، بل يتخلل ذلك تبادل ضحكات وابتسامات بيننا وبين والدنا -رحمه الله- وبحكم كون بيتنا يقع علي بعد مسافة قريبة من أكثر من عين في مدينتنا المبرز، كان يطيب له أن نرافقه لعين «الزواوي» أو عين «مرجان» وبحكم العين عميقة فكانت تسحب مياهها بالسواني لتصب في بركة بنيت بالأحجار وتم تكسيتها بالجص الأبيض المحروق..

كان لدى والدي إحساس بالسعادة وهو يحملنا إلى العين بالتناوب؛ فعادة يبدأ بحمل شقيقي عبدالعزير رحمه الله وبعده شخصي المتواضع الذي يكتب هذه الحكاية، ومن ثم شقيقي حمد، وعادة يغيب عن المشاركة من هو مشغول بواجبه المدرسي، هذا الإحساس هو أكثر من مشاعر أب تجاه أولاده بسبب حرمانه، ومنذ الصغر من والده ليحمله على ظهره فيما بعد. لقد كان يتيما فلقد رحل والده جدي مبكراً وهو طفل، وبالتالي لم يحظَ بلعبة هذه اللعبة المحببة للجميع، وفي مختلف دول العالم قاطبة..

وبفضل الله عندما تمكنت من الرسم رسمت أكثر من رسمة تجسد هذه اللعبة التي يلعبها الآباء وأولادهم الصغار، وكذلك يلعبونها الصغار بعضهم مدهش وتنقل لنا الأخبار العالمية، مشاهد كيف يعبر الآباء مع أطفالهم عابرين بهم البحيرات التي تكونت بعد سقوط الأمطار

وحملهم إلى مدارسهم لمن لا يملك وسيلة نقل، ولقد خلدت الأفلام الحربية والتاريخية صورا مدهشة عن «العوككة»، والباحث في أرشيف الحوادث العالمية يشاهد صوراً عن « العوككة «وكيف ساهمت هذه اللعبة في إنقاذ الأطفال وحتى الرجال الكبار والعجزة الذين لا يستطيعون المشي ونقلهم من مكان إلى مكان، وكم شاهدنا من صور مثيرة للعجب من سكان الجبال وهم ينزلون من بيوتهم حاملين أطفالهم إلى مدارسهم كذلك في السودان وهم يهربون من هجمات «الدعم السريع» الأم حاملة طفلها على ظهرها ومزودتها على رأسها مشاهد تتكرر كل ساعة في العالم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد