جمال الكشكي
سؤال ضاغط في هذا التوقيت: هل من الممكن أن تسير القضية الفلسطينية في طريقها الصحيح في ظل هذا الانقسام الفصائلي؟، وما الأوراق التي تضاعف القيمة النسبية السياسية للقضية أمام أطراف الصراع؟، وماذا تعني الاختلافات والخلافات بين الأطراف الفلسطينية؟،
أم أنها ذريعة لدى المحتل للتلاعب والهروب والمناورة بدعوى أنه لا يجد طرفاً موحداً للحديث معه؟، وهل إسرائيل نفسها تلعب دوراً في تعميق هذا الانقسام لتوظيفه في عدم الوصول لحل نهائي للصراع؟. الانقسام الفلسطيني هو جسر المشروع الإسرائيلي، فكلما تفتت الفلسطينيون إلى فصائل وتنظيمات، نجت إسرائيل بفعلتها.
لا شك أن صورة الفلسطيني في الذهن العالمي ارتبطت بتعدد القوى، ومراكز القرار، ما أضعف عملية التفاوض، وجعل العالم ينظر إلى الشعب الفلسطيني، كشتات لا ناظم له.
برغم التعاطف العالمي المتنامي مع الفلسطينيين بسبب حرب الإبادة، التي ترتكبها تل أبيب في غزة، فإن الأمر لا يخلو من نقد عالمي للحالة الفلسطينية بسبب الانقسام الذي قاد إلى فصيل واحد، يتخذ قرار الحرب والسلام، فآلت الأوضاع إلى ما نراه الآن، من تجويع وقتل ومحاولة تصفية للقضية بالكامل. ماذا لو توحدت الضفة الغربية، وغزة، والقدس، وفلسطينيو الشتات، تحت راية واحدة؟.
بالتأكيد أن العالم سيحترم ويقدر هذا التوجه، فمعروف أن الانقسام، يأتي بالتنازلات، وإسرائيل عملت على تفتيت الشعب الفلسطيني، على مدى أكثر من 80 عاماً، وغذت هذه النزعة، ومع الأسف جاءت الفرصة وراء الأخرى، من خلال حوارات طويلة بين الفصائل على مدى عقدين من أجل الوحدة.
وجاءت النتيجة غير مرضية في الواقع للشعب الفلسطيني، في ظل هيمنة فصيل أو آخر على القرار الاستراتيجي، الذي بدوره تحول إلى شظايا قرارات، وتستغل إسرائيل هذه الحالة وتنميها في وسائل الإعلام، وفي أروقة الدبلوماسية العالمية، وتزعم أنه لا يوجد شريك فلسطيني استراتيجي نعقد معه الاتفاقيات.
الحقيقة، أن قرار إسرائيل في الكنيست والخاص بضم وفرض السيادة على الضفة الغربية، ودعوة نتنياهو لاحتلال غزة، يؤكد أن فلسطين نفسها على المحك، وأن الفلسطينيين مدعوون للوحدة اليوم قبل الغد، فمع توالي الاعترافات العالمية بدولة فلسطينية، والمؤتمر الذي عقد في نيويورك، يبدو أن هناك فرصة جديدة يمكن استغلالها من قبل الفلسطينيين، حتى لا تكون القضية الفلسطينية، قضية الفرص الضائعة، كما يقال. إ
ن الشعب الفلسطيني، في حاجة إلى قراءة فاحصة للأوضاع السائدة في عالم اليوم، فلا يوجد معسكر شرقي، أو غربي، يمكن الاستناد إليه، هناك قوة واحدة ووحيدة، تتحكم في القرار الاستراتيجي الدولي، وهي الولايات المتحدة، وهي بدورها لا تقف على الحياد.
لكن هناك أملاً في التصحيح تقوده أوروبا وفرنسا تحديداً، من أجل اعتدال الميزان في الشرق الأوسط، بوجود دولتين تعيشان جنباً إلى جنب، ونظن أن أوروبا تريد تصحيح الدور الذي لعبته في أوائل القرن العشرين إلى الآن من دعم مطلق لإسرائيل إلى محاولة الإنصاف.
فمما لا شك فيه أن بريطانيا، صاغت وعد بلفور 1917، بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، ثم تسلمت فرنسا الراية، عندما أعطت السلاح لإسرائيل، وأنشأت لها مفاعل ديمونة النووي.
وجاء الدور على الولايات المتحدة الأمريكية، التي خرجت منتصرة، كقوة عظمى، بعد الحرب العالمية الثانية، لتتسلم راية الدفاع عن إسرائيل إلى الآن، دبلوماسياً وإعلامياً، ودعماً مادياً.
وبرغم أن أمريكا كانت الطرف الثالث في اتفاق أوسلو عام 1993، بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، فإنها تتخلى الآن عن هذا الدور، وتخالف حلفاءها الأوروبيين، في الاعتراف بدولة فلسطين.
إزاء هذه الصورة العالمية، فإن الفلسطيني مدعو الآن إلى وحدة يستطيع بها حماية المستقبل، ويسد بها ذرائع الحاضر أمام الاحتلال، الذي يملأ الفراغ بغياب القرار الواحد، والرؤية الواحدة، تجاه القضايا المتعلقة بالمصير.
إن هذه اللحظة التي نلمح فيها بوادر تحركات جادة وقوية للاعتراف بالدولة الفلسطينية من أغلب دول العالم تحتاج إلى وقفة مع تاريخ الانقسام للبناء على رؤية استراتيجية جديدة تكون بمثابة رافعة لاستثمار الفرصة التي ربما لا تتكرر مرة ثانية.