: آخر تحديث

قمة اليقظة

3
2
3

أمينة خيري

ليست كغيرها من القمم.. وقمة هذا العام متفردة، لا لأنها تبحث في مستقبل الإعلام بناء على معلومات ومعطيات ومؤشرات، لا أحلام وأمنيات ومشاعر فقط، ولكن لأنها تنعقد في لحظة محورية في تاريخ المنطقة العربية، ومفصلية في مسار العالم نحو نظام جديد لم تتشكل ملامحه النهائية بعد. قمة الإعلام العربي، إحدى أبرز علامات مجلس دبي للإعلام، ونادي دبي للصحافة، والتي يرعاها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عودتنا على مدار أعوامها الـ23 على أن تكون عيننا التي نستشرف عبرها مستقبل المهنة، ونتعرف إلى تحدياتها، وتقارب بيننا وبين مميزاتها.

هذا العام، تستمر القمة في القيام بالمهمة، مضافاً إليها تسليط الضوء على تحديات تقنية وسياسية واقتصادية واجتماعية، وبالطبع إعلامية، تنتظر الجميع، وتواجهه، إن لم يكن اليوم، فغداً على أبعد تقدير. وصدقت نائب الرئيس والعضو المنتدب لمجلس دبي للإعلام، رئيسة نادي دبي للصحافة، منى غانم المري، حين تحدثت عن مسؤولية الإعلام الذي لم تعد مقتصرة على مواكبة الحدث، إنما وضع الأحداث في سياقها الصحيح.

تبدو الكلمات بسيطة، والمهمة سهلة، لكنهما أبعد ما يكونان عن ذلك في زمن تختلط فيها الحوادث السياسية بالأحداث الاقتصادية بالتغيرات الاجتماعية. وفي منطقة عامرة بالصراعات ولا تنقصها الاحتقانات، مضافاً إليها هذا العملاق القادم بسرعة رهيبة والقادر على تحويل الخيال إلى حقيقة، والحقيقة إلى خيال، والمعلومة إلى شبه معلومة، والخبر إلى خبر كاذب أو مفبرك أو مجتزأ، فإن المهمة تبدو مستحيلة.

لحسن الحظ أن في منطقتنا من لا يؤمن بمفهوم الاستحالة، وهذا ما بدا واضحاً في فعاليات القمة، وعلى ألسنة ضيوفها، وعبر تصورات المستقبل القريب الذي ربما يبدأ قبل أن يعود كل المشاركين إلى بلادهم.

فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، الدكتور أحمد الطيب، رئيس مجلس الوزراء اللبناني، نواف سلام، وزراء إعلام دول عربية عدة، رؤساء تحرير صحف ومواقع، نواب برلمانيون، مدراء محطات تلفزيونية، صانعو وصانعات ومسوقو محتوى، مطورو ألعاب إلكترونية، فنانون، متخصصون في الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته وآخرون كانوا هنا. الجميع يتحدث عن الوضع السياسي والاقتصادي والإعلامي الراهن، وهو ملتبس بما يكفي، ويبحث في المستقبل كل في مجاله، وإن بدا واضحاً تماماً أن المجالات تتداخل والعمل الجماعي والرؤية الموحدة أصبحت حاجة ملحة.

حين التقى هذا الجمع الغفير من القائمين على صناعة أو سلعة أو خدمة الإعلام قبل عام، لم تكن الأوضاع على ما هي عليه اليوم، سواء كانت أفضل أو أسوأ. يكفي أنها تغيرت كثيراً. منى المري أشارت إلى هذا التغيير بكلماتها: «تغير الكثير، وتغيرت الأدوات، وتبدلت الأدوار وتعقدت الأسئلة».

ويضاف إلى هذا المشهد متسارع الأحداث والتفاصيل هذا السباق الرهيب في تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي. يظن البعض أنهما موضوعان مختلفان: الذكاء الاصطناعي والإعلام. لكن الحقيقة هي أن هذا فرض نفسه على ذاك، وذلك يحاول تارة الاستفادة وأخرى تفادي آثاره الاستخدام غير المسؤول لهذا الذكاء إعلامياً. وفوائد ومميزات؟ بالطبع، إنها كثيرة. مساوئ ومخاطر؟ بالطبع، وتستحق من الجميع الانتباه واتخاذ الخطوات القادرة على الحماية، لا الحجب أو المنع، أو حتى شيطنة التقنية. المحتوى المضلل المعتمد على الذكاء الاصطناعي، والقادر على كسر دول، وتفتيت شعوب، وإثارة فوضى، وتأجيج فتنة يطرح السؤال المهم: من يأتي بالحقيقة؟ ومن يحميها؟ ومن يعمل على استدامتها؟

الإجابات كثيرة، لكن ما يجمع بينها هو أن الحقيقة مسؤولية القائمين على أمر الإعلام إلى حد كبير، وصانعي المحتوى المستقلين إلى حد ما، والدول والحكومات دائماً وأبداً، والمستخدم نفسه، ألا وهو المواطن العربي أينما كان. في وقت تمر به المنطقة بأحداث متسارعة، وتغيرات لا تسمح لنا بالتقاط الأنفاس، وصراعات يأبى بعضها أن يهدأ أو ينطفئ، وتطورات تقنية لا تنتظر أحداً لتستأذنه، أو تمهله الوقت حتى يستعد لها، المسؤولية جماعية.. فإما أن ننجو جميعاً ونمضي قدماً، أو نغرق جميعاً. قمة الإعلام العربي هذا العام تستحق مسمى «قمة اليقظة».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد