: آخر تحديث

حزن

10
8
8

مات زياد، شعرت بحزن مباغت يداهمني، مات زياد، يا خسارة.

كان نزار الهندي يحضر لنا شرائط الكاسيت التي تحمل مسرحياته من لبنان في الثمانينات، وكنت أستمع إليها وأحاول أن أفهم هذه الجرأة والسخرية القاسية.

مات زياد، وكنت أعيش حزني عليه بهدوء، حزن على عبقري غادر الدنيا، ولا أعرف لماذا كل هذا الحزن على شخص لم أعرفه بشكل شخصي ولم أقابله مرة في حياتي، ولا أعرف لماذا أشعر أنني يجب أن أبرر حزني عليه، الحزن، هذا الإحساس الحميم جدا، الذي لا ينقص منه إذا حزنت على شخص حزنك على كوارث إنسانية أخرى تحدث في العالم، الحزن، كالحب، تستطيع أن تحزن على أشياء كثيرة في ذات الوقت.

لم يكن شخصا عاديا، هذا الذي بدأ التلحين بعمر السابعة، وكتب الشعر بعمر الثالثة عشر، ليس كل أولاد الفنانين كذلك، ربما علينا أن ندرس حالة عاصي وزياد كي نعرف كيف يمكن أن نفجر طاقات أطفالنا ومواهبهم، وهو كان يخبرنا في لقاءاته كيف كان أبوه يسأله وهو في سن صغير عن رأيه في لحن ما إذا غيره، أي نوتة يفضل هذه أم تلك، وحين كتب زياد الشعر وهو في السن الصغيرة، طبع عاصي الديوان ووزعه على أصدقائه، كان يدندن ألحانا على البيانو، وينتبه عاصي ويسأله أين سمعتها، فيجيبه العبقري الصغير، أسمعها براسي، من راسي.

لا أكتب شهادة عن زياد الرحباني، كل الناس تكتب الآن، كل الناس تتحدث، بحب وقدسية وحتى بسخط وانتقاص، لا أكتب عنه، أكتب لي، أكتب لأنني أريد أن أسجل حزني هنا، أريد أن أسجل كيف حين استمعت إلى فيروز الجديدة بكلمات زياد الجديدة، الكلمات المغرقة في العادية ومفردات الحياة اليومية، شعرت أن هذا الفن عظيم، وفيروز الجديدة كانت فتحا هائلا، وأغنياتها مع زياد كانت المفضلة لدي، لكن حتى أغنياته التي لم تغنيها فيروز، كانت مسألة أخرى، كانت أغنيات أحفظها وأرددها وأستشهد بها في مواقف كثيرة.

أحمد الهندي، شخصية أحب أن أذكرها، لأنه كان فنانا رقيقا يعزف على العود كهواية ورحل عن عالمنا مبكرا وهو أيضا أحزن عليه كلما ذكرته، أحمد الهندي الذي كان لا يحب الرحابنة لأنه يحب الطرب الثقيل، عبدالوهاب والسنباطي وهذه المدارس، أخبرني منذ وقت بعيد، أن الأغاني التي يعرفها الناس ويرددونها لفيروز، لم تكن من تلحين الأخوين إنما كانت لزياد أو فيلمون وهبة، وهذه حقيقة تستطيعون اكتشافها إذا بحثتم بتجرد، هذا الكلام ينطبق على أغنيات فيروز مع زياد حتى قبل التجديد، من أول لحن، سألوني الناس، والذي لم يخرج فيه زياد بعد على أسلوب وكلمات الرحابنة بعد، كان في السابعة عشرة.

لا تسعفنا الكتابة في فهم الحزن، لكنها تسعفنا بشكل ما، ربما بتخفيف الحيرة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد