: آخر تحديث

التأسيس على فشل

7
8
9

اكتشف كريستوفر كولومبوس جمهورية هايتي في الفترة التي اكتشف فيها ما سوف يعرف بأميركا، أو الولايات المتحدة الأميركية. يقول آخر تقرير رسمي من الأمم المتحدة إن هايتي التي كانت أقل دول العالم نمواً لا تزال أقل دول العالم نمواً. وأقلها استقراراً، وأمناً. تنتشر فيها الجريمة المنظمة، وحكم العصابات، وأسوأ حالات الفقر، والخرافة، والأساطير، والعادات المرعبة.

شاهدت منتصف الستينات فيلماً بعنوان «المهرّجين»، مأخوذاً عن رواية للكاتب البريطاني غراهام غرين. تدور أحداثه حول حياة الرعب في ظل ديكتاتورها الشهير بابا دوك، الذي يؤمن بالسحر، ويجنّد جيشاً من السحرة في مطاردة الناس.

دخلت متجراً صغيراً في نيويورك يعمل فيه شابان قالا إنهما من هايتي. في تلعثم وتعثر، قلت، بين الدعابة والجد، إنني شعرت بالخوف عندما علمت ذلك. لم يغضب الأب الذي بدا أنه مدير المتجر، وسألني في هدوء من أين أنا؟ فلما أجبت قال: هل تعتقد أنه عندما يعرف أحدنا أنه يخاطب رجلاً من بلاد الفشل والحروب فسوف يشعر بالخوف؟ من دواعي الارتياح أن المهاجر يترك بلده حيث هو، ولا يحمله معه. وإلا لكانت نيويورك مثل هايتي. دولة بلا أي قانون، أو نظام، أو أمل. ولا يعنيها ذلك في شيء. كلما صدر تقرير دولي عن الأوضاع يتذمر الناس قليلاً، ثم يعودون إلى حياتهم العادية. والجثث في الطرقات.

عدت إلى قراءة غراهام غرين في مئويته، فوجدت أن هايتي التي عرفها لم تتغير كثيراً. ولا مونروفيا. أرسلت الحكومة البريطانية بعض مشاهير الكتاب، مثل غرين، لوضع تقارير عن أحوال المستعمرات، عادوا في النهاية بأعمال أدبية جميلة. لو عاد غرين اليوم إلى هايتي لكان في استقباله بابا دوك، ومعه سحرته. التأسيس هو أهم خطوة في البناء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد