: آخر تحديث

هل التعصّب الطائفي قَدَرٌ لا مَفرّ منه؟!

7
7
6

من ينظر اليوم للحروب القائمة على أساسٍ ديني أو طائفي في منطقة الشرق الأوسط، يظنّ أن هذا وضعٌ لا يمكن الخلاص منه، للأبد.

لكن الواقع يقول إن هذه الحروب ليست ضربة لازب ولا قدَراً جبرياً، بل نتيجة تراتيب وحالات من صنع البشر، هناك من يقول إن الساسة هم صُنّاع هذه الفتن، والأمر كما قال حكيم المعرّة، أبو العلاء:

إِنَّما هذه المَذاهِبُ أَسبابٌ لجَذبِ الدُنيا إِلى الرُؤَساءِ!

وهناك من يقول بل هي من صناعة الناس، فهم بطبعهم ميّالون للانتماء والتحزّب والتعصّب واحتكار الحقيقة، وعشق الشعارات السطحية السهلة الهضم، المفيدة في التحشيد السريع لأعضاء هذا المذهب أو تلك الطائفة:

لا يسألون أخاهُمْ حينَ يَنْدُبُهُمْ/ في النَّائِبَاتِ على ما قال بُرْهَانَا.

بكل حال هذا هو الحال، في الحالّ من وقتنا والذاهب، ولكن ليس في المآل، حتماً.

هناك أوضاعٌ مماثلة مرّت بها أممٌ غيرنا، وعبرتها وتجاوزتها للمستقبل.

يلاحظ الأستاذ هاشم صالح دوماً هذا المعنى، ويُذكّرنا بما كان عليه الحال في أوروبا، قائدة التنوير والعصور الحديثة، فهي لم تكن كذلك، بل كانت غارقةً في عصور التعصّب الديني، داخل المسيحية نفسها، فضلاً عن خارج المسيحية.

في عام 1864 أصدر البابا بيوس التاسع رسالته الشهيرة التي أدان فيها العصور الحديثة جملةً وتفصيلاً. لقد أدان العقلانية، والليبرالية، وحرية الضمير والمعتقد. كما قال هاشم.

الفتوى اللاهوتية الكبرى التي سادت العصور الوسطى في أوروبا كانت تقول ما فحواه: «خارج الكنيسة الكاثوليكية البابوية الرومانية المقدسة لا نجاة في الدار الآخرة ولا مرضاة عند الله» يعني الطوائف المسيحية الأخرى، في النار كلها.

ظلّ الأمرُ على هذا النحو طيلة قرون وقرون حتى انعقد المجمع الكنسي التحريري التنويري المشهور باسم الفاتيكان الثاني بين عامي 1962 - 1965. وهو المجمع اللاهوتي الكبير الذي صالح بين المسيحية والحداثة.

اعترف مجمع الفاتيكان الثاني هذا بمشروعية الأديان الأخرى، وقال: إننا نحترم المسلمين ونقدّر إيمانهم بالله واليوم الآخر، ونريد أن نطوي صفحة الماضي السوداء الأليمة معهم نهائياً.

عام 1992 اعتذر البابا يوحنا بولس الثاني عن محاكمة الكنيسة لغاليليو وترويعها الشديد له عام 1633، كما واعتذر عام 1997 عن مجزرة سانت بارتيليمي بحق «إخوتنا» البروتستانتيين. وهي المجزرة الرهيبة التي حصلت في باريس بتاريخ 26 أغسطس (آب) عام 1572.

وعليه، فإن هذا التعصّب المقيت في أوروبا، الذي أنتج أهوالاً وحروباً، ساهم فيها رجال دين وأباطرة وبارونات وعوامّ وخواصّ، وغذّته الدعايات والخطب (سوشيال ميديا ذاك الوقت) كل هذا... انتهى وأصبح من الماضي، وصارت أوروبا التي نراها اليوم.

إذن، فليس سوق التعصّب وقتل الطوائف للطوائف، كلما قدر طرفٌ على الآخر، سوقاً خالداً، بل يمكن غلقه يوماً ما... بانتظار هذا اليوم ما!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد