: آخر تحديث

«كذبة» المجاعة

7
8
7

وليد عثمان

رغم التضييق الإعلامي، وحجب كثير مما يجري على أرض غزة، لم يستطع الطرف الإسرائيلي التغطية على مجاعتها التي فاقت، بشهادة كل الأطراف العربية والدولية، حدود الاحتمال وأصبحت الورقة الأشد قسوة في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على القطاع منذ نحو عامين. صرخات الجوعى والمرضى وتشييع الأحبّة بلغت حداً يقض مضجع العالم، لكن الفاعل الأصلي في الجريمة، وهو الطرف الإسرائيلي، لايزال يملك من القدرة على التضليل ما يمكّنه من مواجهة الإعلام ووصف كل ما يقال عن مجاعة غزة وتداعياتها بالأكاذيب. هذا ما فعله جدعون ساعر، وزير الخارجية الإسرائيلي، قبل يومين، حين توهم القدرة على خداع العالم وتحويل حقيقة مؤلمة ستبقى تطارد صناعها طويلاً، وهي المجاعة المستشرية في غزة، إلى كذبة، بينما المنظمات الأممية والإقليمية وما تبقى من أصوات إنسانية تندد بتحويل الفلسطينيين في غزة إلى وقود لهذه الحرب. وحتى قبل الوصول إلى هذه المرحلة المأساوية من عمر الحرب، امتلك البعض شجاعة وصفها بوصمة في جبين الإنسانية، رغم أن الأمر ساعتها كان متعلقاً باستهداف النازحين ثم قصف المستشفيات والأطقم الطبية إلى حد ترك الآلاف يواجهون الموت بمرضهم بعد أن عزّ التداوي وبجراحهم، قبل أن تبلغ المأساة ذروتها بقتل منتظري المساعدات الغذائية، ثم تجويعهم الذي يبتغي الضغط على «حماس» أو تهجير الغزيين، أو بالأحرى من يتبقى منهم. كل ذلك ينساه وزير الخارجية الإسرائيلي، ولا يرى من آثار الحرب غير أنه لا تعامل مع «حماس» ولا استجابة إسرائيلية للضغوط الدولية لوقف الحرب. لم يجد جدعون بن ساعر ما يغلّف به إنكاره للواقع أمام ممثلي الإعلام العالمي إلا الاستشهاد بسماح إسرائيل لطفل فلسطيني بالسفر إلى الخارج للعلاج، ويتعامى عن أرقام آلاف من صغار القطاع ارتقوا باستهداف مباشر أو حرمان من الدواء والغذاء، رغم أطنان المساعدات المكدسة على مقربة منهم في الأراضي المصرية. على كل، يتجاوز هول ما يجري في غزة قدرة أي مسؤول إسرائيلي على إنكاره أو تكذيبه، فالعالم شاهد عليه منذ بداياته، وإن كان الغرب تباطأ في ردود أفعاله تجاهه، فإنه يسهم الآن في جهود وقف هذه المأساة، ورسم مسار جديد للقضية الفلسطينية يجنّبنا، ما أمكن، تكرار المغامرة بالأرواح وما يليها من تطرف في ردود الفعل، والعودة، كالعادة، إلى نقطة الصفر. إن كذبة وزير الخارجية الإسرائيلي لم تصمد طويلاً، إذ أعقبها ذلك الإجماع الدولي على حتمية وضع حد لهذا الصراع الذي تركت جولته الحالية آثاراً عميقة في ملامح المنطقة وكادت ترسخ للتطرف السياسي سبيلاً للتعاطي مع مشكلاتها وتحجب آفاق التعايش وطموحات الشعوب في العيش الكريم الآمن. إن المنطقة في حاجة إلى أفول الوجوه المرّوجة للعنف والمكذّبة لحصاده المر الذي نراه الآن فوق أطلال غزة، وإن كنا ننتظر أن يجدد البعض كذبة أخرى، وهي أن طوفان 7 أكتوبر أحيا القضية الفلسطينية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد