مع ارتفاع حرارة الصيف العالمية، تبرز جنوب غرب المملكة العربية السعودية كواحةٍ منعشة تجمع بين سحر الطبيعة والثقافة العريقة، في وقتٍ تسعى فيه الوجهات التقليدية لجذب السائحين بعروض مُكلفة وزحامٍ لافت. ففي أغسطس، بينما تُعاني مدن أوروبا من اكتظاظ السياح، تُقدّم أبها والباحة والطائف تجربةً فريدة تُناسب العائلات والشباب، مع مناخٍ لطيفٍ لا يتجاوز 25°م، وبنية تحتية سياحية متطورة، وأهم من ذلك: أجواء آمنة تُشعر الزائر وكأنه في بيته.
حيث تُحافظ جنوب المملكة على انخفاض نسبي في الحرارة بفضل ارتفاعها الجبلي. ففي أبها، ينساب النسيم البارد من جبال "السراة" ليرسم لوحةً من الهدوء، بينما تُضفي غابات الباحة الكثيفة رونقاً استوائياً نادراً، والطائف تُحيط بزوارها برائحة الورود العطرة التي تذوب مع نسمات الجبل. هذه الميزات تجعلها خياراً مثالياً لمن يبحث عن ملاذٍ بعيداً عن ضغوط المدن، مع ضمانٍ أمنيٍ لا يُضاهى.
يقول الشاعر: "في أبها، الجبل يُغنّي والرياح تحمل ذكريات القرون"، هذه المدينة التي تُلقب بـ"لؤلؤة الجنوب"، تجمع بين قلعة "الشدا" الأثرية وأسواق "النقش الحضري" المليئة بالألوان، لتُقدّم رحلةً عبر الزمن. في أغسطس، تزدهر رحلات التسلق في جبل "سلاسل" بمرافقة مرشدين معتمدين من هيئة السياحة، والتي وضعت إجراءات وقائية صارمة لضمان سلامة الزوار، مثل توزيع خرائط مُعَدّة مسبقاً وتركيب كاميرات مراقبة في الممرات الصخرية. كما تُنظّم وزارة السياحة جولاتٍ يوميةً مجانيةً لاستكشاف المواقع التاريخية، التي رفعت من معايير الأمان عبر تطبيق "مرشد" لتوفير دعم فوري في حالات الطوارئ.
الباحة ليست مكاناً تراه؛ بل تشعر به بين جذور الأشجار ورائحة البن. هذه المنطقة، تتميز بمناخٍ أكثر اعتدالاً وتركيزٍ على السياحة الآمنة. ففي مزارع البن التاريخية بـ"القريع"، تُنظم جولاتٌ مُراقبة برفقة خبراء، بينما تُزوّد مسارات المشي في وادي "رنان" بعلامات إرشادية واضحة ودوريات أمنية دورية. وبدعمٍ من هيئة السياحة، أُطلقت حملة "سياحة آمنة" التي تدرّب العاملين على التعامل مع الإصابات البسيطة، وتُوفّر عربات إسعاف متنقلة في المناطق النائية، مما يجعلها وجهةً مثاليةً للعائلات الباحثة عن الهدوء دون قلق.
الطائف.. حيث تُروى الورود حكايات الأمان مع كل شروق. هذه المدينة، التي تبعد 160 كم عن مكة، تجمع بين جمال زهورها الخلابة وأمان شوارعها المضاءة ليلاً. في أغسطس، تزدهر أسواقها التقليدية بروائح العسل والروبيان، مع كاميرات مراقبة تُحافظ على الجو التقليدي دون إخلالٍ بالخصوصية. وتنفيذاً لرؤية وزارة السياحة، أُعيد تأهيل مرتفعات "الهدا" بمعايير عالمية، مع تدشين مراكز استقبال للزوار تُقدّم معلومات حول مسارات آمنة لاستكشاف الشلالات، إلى جانب تدريب العاملين على مبادئ السلامة الثقافية، مثل احترام خصوصية الزوار من الجنسيات المختلفة.
لا تقتصر مميزات هذه الوجهات على جمالها الطبيعي، بل تمتد إلى جهودٍ حكومية استثنائية؛ فالأمان كأولوية وطنية بفضل حملة "سياحة آمنة" التي أطلقتها هيئة السياحة، تُزوّد المواقع السياحية بدورية أمنية متخصصة، وتطبيقات ذكية مثل "Safe Saudi" التي تربط الزائر بغرفة عمليات مُخصصة على مدار الساعة. وتُترجم رؤية 2030 عبر مبادرات مثل "الريادة السياحية"، التي تهدف إلى تأهيل 100 ألف شاب في القطاع بحلول 2030، مما يضمن تجربة سلسة وآمنة للزوار. في المقابل، تفتقر الوجهات العالمية إلى البُعد الإنساني الذي تقدمه المملكة، حيث يتحول تذوق القهوة مع السكان المحليين إلى جسرٍ لفهم الثقافة العربية الأصيلة.
من يبحث عن الراحة دون تنازلات، تنجح أبها والباحة والطائف في تقديم تجربةٍ لا تُضاهى: جبالٌ تُحيطك بالهدوء، وثقافةٌ تُشعرك بالانتماء، وأمانٌ يُصبح جزءاً من رحلتك. بفضل جهود وزارة السياحة والهيئة السعودية للسياحة التي حوّلت التحديات إلى فرص، أصبح الجنوب السعودي ليس مجرد وجهة، بل رسالةٌ عالمية: السياحة هنا ليست استهلاكاً للمناظر، بل احتفاءً بالإنسان والأرض. لهذا، فإن أغسطس في هذه البقعة من الجزيرة العربية ليس مجرد رحلة... إنه وَعْدٌ بالاستثناء.