: آخر تحديث

ترامب يضرب وحدة الاتحاد الأوروبي

5
4
4

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 12 من تموز (يوليو) عن رفع الرسوم الجمركية على الواردات من دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 30 بالمئة، على أن تدخل حيز التنفيذ الفعلي بدءاً من الأول من آب (أغسطس). يُعد هذا القرار بمثابة شرارة يمكنها أن تشعل حرباً تجارية ضروساً بين الحليفين على ضفتي الأطلسي ذات أبعاد استراتيجية وجيوسياسية، تروم من خلالها واشنطن إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي، وبناء توازنات دولية جديدة على حساب وحدة القارة العجوز التي يبدو أنها ستكون الخاسر الأكبر.

الأرقام تدعم ترامب
غداة دخوله البيت الأبيض في ولاية ثانية، أحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب صدمة في الأسواق الاقتصادية بعد مسارعته إلى تحويل الوعود التي أطلقها إبان حملته الانتخابية في شأن الرسوم الجمركية إلى سياسات وقرارات، بعضها شرع في تنفيذه مباشرة، وبعضها الآخر لوّح به كأداة لجلب الدول والقوى المستهدفة إلى طاولة المفاوضات وفق الشروط الأميركية.

ينطلق ترامب من قناعة بأن التعريفات الجمركية تسهم في تعزيز سياساته الاقتصادية المتمأسسة حول مبدأ "أميركا أولاً" وحركة "ماغا" التي أنشأها، أي لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، والتي تحولت إلى شعار سياسي شديد الفعالية والتأثير خلال حملته الانتخابية، من خلال تخفيض العجز التجاري، وتحسين القدرة التنافسية للصناعة الأميركية.

حسب بيانات وزارة التجارة الأميركية، فإنَّ الاتحاد الأوروبي كان الشريك التجاري الأول خلال العام الماضي، حيث بلغت صادرات السلع الأميركية إلى أوروبا نحو 370 مليار دولار، في حين بلغت الواردات نحو 605 مليارات دولار، بعجز تجاري بلغ نحو 235 مليار دولار، بزيادة قدرها نحو 13 بالمئة عن عام 2023. بينما تشير أرقام المفوضية الأوروبية إلى أن بروكسل حققت فائضاً تجارياً مع أميركا يبلغ نحو 198 مليار يورو عن عام 2024.

ومع ذلك، فإنَّ الاتحاد الأوروبي الذي يبلغ عدد دوله 27 يشكل حليفاً استراتيجياً لواشنطن، وفي نفس الوقت سوقاً استهلاكية واسعة يضم نحو 500 مليون مستهلك، وتالياً ثمة محاذير سلبية على الاقتصاد الأميركي إذا ما أفضت سياسات ترامب إلى خسارة سوق شديدة الأهمية. زد عليها الاضطراب الذي يمكن أن تُحدثه على صعيد سلاسل التوريد العالمية، وتأثير ذلك على ارتفاع قيم التضخم، ولا سيما في ظل تلويح بروكسل بالرد بإجراءات مماثلة.

آثار سلبية على الاقتصاد الأوروبي
تشير التقارير إلى أن الاتحاد الأوروبي يعتمد سياسة الكرّ والفرّ إزاء الاضطراب في علاقته مع واشنطن، حيث تدرس بروكسل تفعيل قانون مكافحة الإكراه الذي دخل حيز التنفيذ في كانون الأول (ديسمبر) 2023، والذي يتيح لها اتخاذ إجراءات تجارية واستثمارية دون الحاجة إلى توافق أعضاء الاتحاد المعقد، وتفعيل هذا القانون خصوصاً في قطاعي التكنولوجيا المالية وتكنولوجيا المعلومات، مع فرض قيود على الإعلانات الرقمية وخدمات الإنترنت.

كما تبدي بروكسل استعدادها لتوسيع هذه السياسات لتشمل رفع الرسوم على منتجات شركة بوينغ الأميركية، وكذلك واردات أخرى تُقدّر بين 72 إلى 84 مليون يورو. بالإضافة إلى تقييد صادرات مواد استراتيجية مثل الخردة المعدنية والكيماويات.

مقابل إظهار مرونة من خلال إعلان بروكسل عن استعدادها لخفض الرسوم الجمركية على بعض الواردات الأميركية وفي طليعتها السيارات لتصبح موازية لتلك التي تعتمدها واشنطن في هذا القطاع، فضلاً عن التزود بالغاز الأميركي المسال، كبديل عن الغاز الروسي الذي ما تزال تحصل عليه بعض الدول الأوروبية، بالرغم من الفارق الهائل في التكلفة.

ومع ذلك، تُبين الدراسات والتقارير أنَّ السياسات الترامبية سيكون لها آثار سلبية هائلة على الاقتصاد الأوروبي، ولا سيما على ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا، لكون هذه الدول توفر أكثر من 50 بالمئة من الصادرات الأوروبية إلى أميركا، وخصوصاً في قطاعات السيارات والأدوية والإلكترونيات، إلى جانب السلع الفاخرة. وتستند هذه التقارير إلى تجارب سابقة لتخلص إلى بناء استنتاجات موثوقة حول ارتفاع التضخم والكساد التجاري على وقع تأثير سياسات رفع الرسوم الجمركية من قبل واشنطن.

ناهيك عن التأثيرات الاجتماعية الواسعة، والتي يزيد من حدة تفاقمها تزامنها مع حالة الانكماش التي ما تزال تعاني منها الاقتصادات الأوروبية منذ انتشار جائحة كورونا. وهذا ما دفع بروكسل إلى التوجه بالفعل نحو أسواق جديدة في جنوب شرق آسيا وآسيا الوسطى.

إعادة تشكيل التوازنات
إلى ذلك، تشير التحليلات والتقارير إلى أن ترامب يوظف رفع الرسوم الجمركية كأداة جيوسياسية لإضعاف وحدة الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يندرج ضمن مشروعه لإنتاج توازنات جديدة تُشرف على إدارة النظام العالمي على حساب التوازنات القديمة الحاكمة، تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية على حساب الهياكل الإقليمية.

منذ انتخابه لولاية ثانية، يُظهر ترامب عداءً ملحوظاً للاتحاد الأوروبي الذي يبدو أنه على رأس لائحة مستهدفات الرئيس الأميركي، مع توجهه إلى تعزيز العلاقات مع بريطانيا، وكذلك مع دول يمينية ضمن الاتحاد، مثل المجر وإيطاليا، بما يمثل تهديداً جدياً لوحدته، ولا سيما مع تراجع دوره على صعيد صياغة القرار العالمي.

أكثر من ذلك، فإن أكثر المستفيدين من هذه السياسات هي الصين التي لطالما سعت إلى ترسيخ مكانة لاقتصادها بين العملاقين الأميركي والأوروبي، ومن خلفها روسيا التي أظهر اقتصادها تطوراً مع تحويل موسكو العقوبات الأوروبية إلى فرصة للانفتاح على أسواق جديدة ليكون لها الأسبقية في هذا المضمار على حساب بروكسل.

كل ذلك يضيق هامش المناورة أمام القوى المؤثرة في القارة العجوز، ويجعلها أمام خيارات استراتيجية محفوفة بالمخاطر، حيث تُلوّح واشنطن بزيادة أخرى على الرسوم الجمركية في حال فعلت بروكسل سياسات تستهدف الواردات الأميركية، فيما أن رضوخها لترامب يُكرس تحولها إلى لاعب هامشي، بما يدفع قوى داخل الاتحاد إلى بناء استراتيجيات منفصلة، والتمهيد لفرط عقد الاتحاد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.