: آخر تحديث

الإرهاب والاستثمار بدورات التاريخ

8
8
7

لم تكن الظواهر منفصلةً عن تاريخها، وكل تحليلٍ لها من دون وضع البعد التاريخي في الحسبان يُعدّ ناقصاً.

ومن ذلك، الظاهرة الإرهابية التي أخذت أطوارها عبر التاريخ. ولكل دورة ظهورٍ إرهابية تصحب معها ترسانة من المفاهيم، وحمولة من التجارب، وسيلاً من الفتاوى والمتون.

ظاهرة الإرهاب في التاريخ تمّ درْسها منذ العصور الأولى عبر الانشقاقات السياسية وتأسيس التنظيمات المارقة عن نظام الدولة، وصولاً إلى «الحشاشين»، وإلى إرهاب ما بعد القرن العشرين وبمفهومه الحاليّ الذي نعاصره اليوم.

مع كل تغيير معيّن ثمة من يتحدّث عن نهاية الإرهاب، وكأن هذه الظاهرة مجرّد تظاهرة عمالية، أو مسيرة طلابية، فيما الإرهاب عالم من التطرف المؤسس بكتبه وفتاويه وجيوشه وميليشياته وبداعميه في السر والعلن، وبأفكاره التي تُمرر في شتى المنصّات من الدروس والمنابر إلى التطبيقات السوشيالية والألعاب الإلكترونية، إنها شبكة منظمة عابرة للقارات والحدود.

قبل أيام حذّر وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب من قدرة تنظيم «داعش» على مواصلة أنشطته وتكييف أسلوب عمله، على الرغم من الجهود الدؤوبة لمكافحة الإرهاب التي تبذلها الدول الأعضاء والشركاء الدوليون والإقليميون. المسؤول الأممي فلاديمير فورونكوف يعدّ أن الأوضاع المتقلبة تُعين الإرهابيين على تمددهم ونفوذهم.

السؤال الأساسي: لماذا نقول إن الإرهاب قد ينتعش في أي لحظة؟! أجيب بالآتي:

أولاً: الظاهرة الإرهابية تستثمر في الأفكار الأصولية، فهي مشحونة بالمشاعر الغاضبة المحتقنة، ومتربيةٌ على عداء المجتمع والدولة، وعليه فإن هذه الطاقة التي تختزنها باستعمال الدين لأغراض التجنيد أخطر سلاحٍ تمتلكه ضدنا، إنه أخطر من السلاح المادي. التجنيد يتم عبر حشدٍ من أناشيد ومفاهيم وعناوين واستعمال قضايا المسلمين وتشويه صورة الحكام والتحريض على المسؤولين.

ثانياً: إن نهاية أي ظاهرة ذات ارتباط ديني واجتماعي تُعدّ مستحيلة نظرياً، لكن يمكن بالتأكيد سحق أسسها، وضرب فتاويها، وملاحقة قادتها ومجنديها، يمكن أن يتم ضرب أصولها المالية، واستهداف مواقعها العسكرية، وإعادتها نصف قرنٍ إلى الوراء، ولكن يجب أن نكون يقظين بالتزامن مع هذا السحق لتلك المجاميع من أساليب التجنيد الجديدة، فهم حين يتم ضربهم يتجهون من حالة الظهور إلى استراتيجية الكُمون، مبتعدين حتى عن أشكالهم وأزيائهم المعتادة، وهذا من الضروري الانتباه إليه.

ثالثاً: إن مجتمعاتنا بطبعها عاطفية ومحبةٌ للتعلّم والتزوّد من المعارف، وعبر تاريخ التنظيمات الإرهابية فإنها ترى في مؤسسات التعليم كنزاً ثميناً للتجنيد، وحين تضعف أذرعها في بعض المجالات تتجه نحو المدارس والجامعات، حيث غرس بعض الطلبة الذين يجنّدون، أو يُقنعون، أو ينشرون مطوياتٍ أو أوراقاً أو كتيبات. وعي الحكومات بهذا الموضوع صار عالياً، وهذا مطمئن للغاية.

الفكرة أن الإرهابيين لهم سبل المخاتلة والمناورة، ويريدون أن يقبضوا على أي مجالٍ مؤثر. الإرهابي يأخذ رصيده وتقديره من زعيمه حين يجلب معه أكبر عددٍ ممكن من المنضوين، ولذلك يجد في زمالاته العلمية أو العملية فرصةً مواتيةً للنقاش وتوزيع الأوراق وطرح الفتاوى المضللة.

الخلاصة؛ إن التحذير الأممي من عودة خطر الإرهاب متوقع، فالإرهاب له دوراته على رأس كل عقدٍ تقريباً، حيث يكمن قليلاً وينشط كثيراً. علينا بوصفنا مؤسسات عملٍ وتعليم العمل على تحصين الأجيال الصاعدة التي لا تعرف جيداً معنى الإرهاب من هذا التهديد الداهم والمقلق.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.