سلطان ابراهيم الخلف
كان حادثاً صاعقاً للكيان الصهيوني، اغتيال مُوظّف ومُوظفة إسرائيليين يعملان في سفارة كيانهم في العاصمة الأميركية واشنطن دي سي، قرب المتحف اليهودي.
القاتل لم يكن عربياً أو مسلماً، وهو مقيم في شيكاغو واسمه إلياس رودريغز. كانت ردة فعل المسؤولين الصهاينة سريعة، أرادوا استغلال الحدث في صالحهم، حيث ظهر وزير الخارجية الصهيوني جدعون ساعر، عبر وسائل الإعلام مُعبّراً عن حزنه الشديد، وأن الاغتيال جريمة مُروّعة، وتُقدّم دليلاً على ما يتعرض له اليهود من معاداة للساميّة، وأن التهديدات التي وجّهها حديثاً بعض الزعماء الأوروبيين لكيانه، شجّعت القاتل على أن يقدم على ارتكاب جريمته، كما لو أنه يريد تحميلهم المسؤولية، ويطالبهم بالكفّ عن تلك التهديدات، المسرحيّة.
تصريحات الوزير الصهيوني تناقلتها وسائل الإعلام الغربية، وكانت بمثابة البوصلة التي تحدّد ما يفترض أن تبثه تلك الوسائل الإعلامية، وما يقوله المسؤولون الغربيون، تماماً وبالطريقة نفسها التي اتبعت بعد عملية طوفان الأقصى، حيث ظهر الإرهابي البولندي نتنياهو، أمام شاشات الإعلام وهو يصرّح بتعرّض بعض نساء المستوطنين الصهاينة لعملية الاغتصاب، وقطع رؤوس الأطفال، على أيدي الفلسطينيين المسلّحين، حيث تناقلت تصريحاته على الفور، وسائل الإعلام الأوروبية والأميركية، وكرّرها الرئيس الأميركي السابق بايدن.
سيحاول اليهود الصهاينة، التركيز على موضوع معاداة الساميّة التي تطرّق لها وزير خارجية كيانهم، في تصريحه بعد حادث الاغتيال، وهو الموضوع الذي يعتبرونه أكثر فعالية وتأثيراً على الرأي العام العالمي، لكنه في الحقيقة لا يخدمهم.
فالقاتل إلياس رودريغز، بعد أن أقدم على فعلته، صاح بأعلى صوته «فلسطين حرّة» ولم يشر إلى الإساءة لليهود، وهو أمر أصاب الصهاينة الإسرائيليين بخيبة كبيرة، ودفعهم إلى التخبّط بالقول بأن اغتياله لموظفي سفارتهم كانت رسالة كراهية مُوجّهة لليهود وليست للإسرائيليين، لأن إسرائيل تمثل يهود العالم حسب زعمهم! وهو في الحقيقة ليس كذلك، لأن كثيراً من اليهود والحاخامات في العالم يرفضون الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، لكونه صهيونياً لا يمثلهم.
بعد حادث الاغتيال، أصبحت سفارات الكيان الصهيوني في جميع أنحاء العالم في حالة تأهب أمني قصوى، وصار موظفوها أكثر حرصاً على عدم الظهور في الأماكن العامة خوفاً من تعرضهم للاغتيال. وهي نتيجة خطيرة من تداعيات حرب الإبادة التي يشنّها الكيان الصهيوني على غزة، حيث لم تنفع الاحتجاجات السلمية المُطالبة بوقف الحرب، وقطع الدعم العسكري عن الصهاينة، كما ترفض العديد من المطاعم الأوروبية استقبال سيّاح إسرائيليين، وقد انتشر مشهد لصاحبة مطعم إيطالي في نابولي وهي تطرد عائلة إسرائيلية، ومشهد مشابه آخر في مطعم في فيتنام، ناهيك عن انتشار صور الجنود الصهاينة وهم يرتكبون جرائمهم في غزة، وصاروا يخشون الملاحقة القانونية في حال تواجدهم خارج كيانهم، مثل صور النازيين المطلوبين التي تم نشرها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
لم تعد تنفع الكيان الإسرائيلي دعايته «عداء الساميّة» في التغطية على جرائم حربه الفظيعة على غزة المُحاصرة، وصار منبوذاً لدى شعوب العالم، بعد أن كان يستدرّ عطفهم، بل يذكّر بالنازيين وبوحشية نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا.