: آخر تحديث

ولا يزال ممنون صامداً

8
8
7

نُحت تمثالا الملك أمنحتب الثالث منذ أكثر من 3400 سنة من حجر الكوارتزيت الأحمر، من محاجر الجبل الأحمر بالقرب من القاهرة، ونُقلا إلى «موضعهما» أمام المعبد الجنائزي للملك أمنحتب الثالث بالقرنة، لمسافة 700 كيلومتر عبر الصحراء وليس النيل، ويصل وزن التمثال الواحد إلى نحو 720 طناً، والارتفاع إلى نحو 18 متراً، ولا يمكن لمركب واحد في هذا العصر تحمّل هذا الوزن الهائل. فالأمر يختلف عن نقل المسلات والأعمدة، التي كانت تُنقل على أكثر من مركب واحد لتحمّل الوزن الهائل.

ويُعرف التمثالان باسم «ممنون»؛ البطل الأسطوري الإغريقي من أصول أفريقية الذي قُتل في معركته مع أخيل؛ أحد أبطال حروب طروادة. بعد موته، ظلت أمه إيوس تبكيه كل صباح وتنوح عليه. وحدث أن أحد تمثالَي أمنحتب الثالث العملاقَين وقع به شرخ، فكان الهواء يمر منه كل صباح فيصدر صوتاً كالنواح! ولهذا السبب عُرف التمثالان بـ«تمثالَي ممنون»، وأصبحا قبلة للسياحة منذ العصور القديمة.

كان على المصري القديم أن ينقل التمثالين كل هذه المسافة مستخدماً تقنية ما زلنا أبعد من إدراك جميع جوانبها، فكل ما نعرفه عن نقل التماثيل الضخمة في عصر الدولة الحديثة جاء من المناظر التي تصور مشاهد من نقل تماثيل عملاقة باستخدام زلاجات ودرافيل خشبية وحبال. وكان يجري التغلب على الاحتكاك بين الدرافيل والزلاجات بسكب الماء، وأحياناً الزيت، أو ربما اللبن.

ويقف تمثالا «ممنون» بوصفهما من أعاجيب العصر القديم، ليس فقط لضخامة التمثالين، وإنما لنجاح المصري القديم في نقل هذا الوزن بكل دقة وبراعة، ووضعهما في مكانهما المحدد بالمعبد من دون حدوث أي أذى لكتلة الحجر. ونعرف أن عملية نحت التمثالين كانت قد جرت في المحجر بالجبل الأحمر، ووُضعت اللمسات النهائية عليهما من ألوان وغيرها بعدما استقرا في مكانهما بالمعبد الجنائزي.

ويصور تمثالا «ممنون» الملك أمنحتب الثالث جالساً على كرسي العرش من دون مسند للظهر، باسطاً يديه على ركبتيه، وعلى جانبي ساقَيه نحتت هيئتان لملكتين، هما: الملكة تي، والملكة موت إم ويا، وعلى جانبي كرسي العرش نقش بديع لتوحيد الأرضين.

المعروف أن المهندس المصري القديم برع في نقل الأحجار الضخمة منذ الدولة القديمة، وذلك لبناء الأهرامات والمقابر وصنع التماثيل، فالهرم الأكبر استُخدمت في بنائه أحجار غرانيتية من محاجر أسوان يصل وزن الحجر الواحد منها إلى أكثر من مائة طن، واستطاع المصري القديم نقلها ببراعة عبر نهر النيل ثم وضعها في أماكنها بالهرم.

وفى عصر الأسرة الخامسة، نحت الملك ساحورع أعمدة غرانيتية من محاجر أسوان على هيئة أشجار نخيل، واستطاع أيضاً نقلها عبر نهر النيل إلى معبده الجنائزي؛ إلى أبو صير. ويصور لنا منظر على الطريق الصاعدة للملك ونيس عملية نقل عمودين من الغرانيت الوردي على ظهر مراكب نيلية.

بلغت عمليات النقل البري والنهري قمة التقدم في عصر الملك «رمسيس الثاني» الذي استطاع نقل تمثال يزن أكثر من مائة طن من محاجر أسوان إلى معبده بالرامسيوم، وهو أضخم تمثال في الحضارة المصرية لا تزال بقاياه موجودة إلى الآن.

أما نقل التماثيل الضخمة عبر الأرض، فكان يتطلب تمهيد الطرق واستخدام أعداد كبيرة من الرجال تصل في بعض الأحيان إلى المئات، كما يشير إلى ذلك منظر مصور من عصر الدولة الوسطى. أما النقل النهري، فكان أولاً يتطلب حفر قناة من النيل إلى أقرب موضع من المحجر، وتجهيز سفن خاصة للشحن والإنزال، وعمل موانئ مؤقتة عند أقرب نقطة لموقع البناء. ونعرف تفاصيل نقل مسلة من عصر «بطلميوس الثاني» مما ذكره المؤرخ بلليني، حيث أشار إلى حفر قناة من نهر النيل إلى موضع المسلة، وتحميلها على مركبين.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد