: آخر تحديث

الانتخابات الأميركية: هل سيشكر ترمب ممداني؟

2
3
2

يُعدّ انتخاب زهران ممداني عمدةً لمدينة نيويورك انتكاسة سياسية للرئيس دونالد ترمب في أوساط المعلقين العالميين. ويصفه الخبراء الأوروبيون بأنه علامة على أن الشعبوية، التي انتصرت في السنوات القليلة الماضية، قد تكون في طريقها إلى الانحسار.

للوهلة الأولى، قد يبدو أن الخبراء قد أصابوا عين الحقيقة. يُمثل ممداني مناهضة ترمب من نواحٍ عدّة. فهو مسلم، في حين أن إحدى أولى خطوات ترمب في ولايته الرئاسية الأولى كانت حظر سفر مواطني 7 بلدان ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة. يصف ممداني نفسه بأنه شيعي اثني عشري؛ ما يضعه في خانة مما يعدّه ترمب نوعاً من الدين الذي يمثل تحدياً خاصاً. وحقيقة أن وسائل الإعلام الرسمية في طهران أشادت بـ«فوز» ممداني تعزز هذا الانطباع.

كما أن العمدة الجديد معادٍ لإسرائيل ومؤيد للفلسطينيين بشكل صريح لدرجة أنه هدد باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا وصل إلى مدينة نيويورك. (وغني عن القول أنه لا يستطيع فعل ذلك لأن هذا الأمر يتجاوز نطاق صلاحياته).

في الوقت الذي يشن فيه ترمب حملة ضد «الهجرة المفرطة»، سواء كانت قانونية أو غير قانونية، سيجد ممداني، الذي حصل مؤخراً على الجنسية الأميركية، صعوبة في الادعاء بأنه «واحد منا» كما يعرّفونه أنصار حركة «اجعل أميركا عظيمة مجدداً». وقد تلقى ممداني التهنئة من جميع أعداء ترمب تقريباً، لا سيما الرئيس السابق باراك أوباما والسناتور بيرني ساندرز.

ولكن ما مدى جدية تيمة «بداية النهاية لترمب» التي يطرحها خصومه السياسيون؟ الإجابة المختصرة هي: ليست جدية للغاية! الاختبار الحقيقي لمدى صمود ترمب سيأتي في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل. هذه المرة، تمكن الجمهوريون من الحفاظ على أغلبيتهم في مجلس النواب بالفوز بالمقعدين المتنازع عليهما في فلوريدا. وفاز الديمقراطيون بمنصب حاكم ولايتي فرجينيا ونيوجيرسي اللتين كانتا في الغالب من نصيبهم على مدى عقود. وفي كاليفورنيا، تمت الموافقة على اقتراح بإضافة 5 مقاعد إلى تمثيل الولاية في الكونغرس - وهو أمر لا يثير الدهشة لأنه يزيد من نفوذ الولاية الذهبية في واشنطن.

ومع ذلك، وعلى عكس خطاب ممداني الناري والقاسي، أظهر الديمقراطيون موقفاً وسطياً في جميع الولايات الثلاث. حاولوا تصوير ترمب على أنه متطرف في المرحلة الحالية من الحرب الثقافية الأميركية.

وبما أن ممداني لم يولد في الولايات المتحدة، فإنه لا يمكنه بالطبع الترشح للرئاسة. وفي الواقع، قد يكون فوزه بمنصب العمدة ناجماً عن تخمينات لم يتوقعها سوى القليلين. ولم يكن أمام سكان نيويورك - الذين لا يُصوتون للجمهوريين حتى وإن اضطروا إلى ذلك - خيار سوى الاستماع إلى الوافد الجديد الذي وعدهم بكل أنواع المزايا.

ثم ارتكب ممداني خطأ قد لا يؤدي فقط إلى إفشال ترشيحه لمنصب العمدة، بل قد يقلل أيضاً من فرص الديمقراطيين في استعادة السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب العام المقبل. كان الخطأ هو التباهي بكونه «اشتراكياً»، وهي إحدى الكليشيهات التي يربطها السياسيون والمحللون الأميركيون بالشيوعية، والتي كانت سلاحاً في يد الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة.

ويوم الثلاثاء الماضي، وصف ترمب ممداني، والديمقراطيين من بعده، بالشيوعيين المتخفين. ومع ذلك، إذا نظرنا إلى الاشتراكية بمعناها الأوروبي الغربي، فإن الولايات المتحدة قد تبنت ضمناً أجندة ديمقراطية اجتماعية منذ منتصف الستينات من القرن الماضي مع «المجتمع العظيم» للرئيس ليندون جونسون.

ربما تكون فكرة الاشتراكية قد اخترعتها شخصية في إحدى روايات تشارلز ديكنز، أوليفر تويست، عندما صرخ الصبي الشقي الصغير مع أطفال الشوارع الآخرين الذين كانوا يتناولون حساء الملجأ: نريد المزيد! لم يكن يهمه أن حصوله على المزيد يعني حصول شخص آخر على الأقل. وعلى مدى العقود الستة الماضية، مارست الإدارات الأميركية المتعاقبة الاشتراكية بينما كانت تستخدمها شعاراً لترهيب الناس من «الشيوعيين» ضد خصومها.

واليوم، يتلقى ما يقرب من نصف الأميركيين مزايا واستحقاقات من مختلف الأنواع تكلف أكثر من تريليون دولار في عام 2024، وهو أمر لم يكن مسموعاً به في الولايات المتحدة حتى الستينات من القرن الماضي، في أيام كان الاعتماد على الذات وروح الريادة يُنظر إليهما على أنهما دستور أخلاقي للأمة.

ولقد أخبرني السناتور جورج ميتشل، وهو شخصية بارزة في تاريخ الحزب الديمقراطي الحديث، في محادثة في لندن قبل سنوات أن حزبه كان يفوز دائماً من خلال «تقديم أجندة اجتماعية مع الظهور بمظهر الوسطية». ووصف عضوة الكونغرس ألكسندرا أوكاسيو كورتيز، وهي رمز لليسار في الحزب، بأنها «تحقق فوزاً تكتيكياً ولكنها تضمن خسارة استراتيجية».

ثم تذكرت تلك المحادثة عندما قفزت ألكسندرا أوكاسيو كورتيز إلى مقدمة الطابور لتهنئة ممداني على «فوزه التاريخي».

كلما خسر الحزب الديمقراطي انتخابات رئاسية وانحرف صوب اليسار لتعويض تلك الخسارة، خسر بشكل أكبر في الانتخابات اللاحقة. هذا ما حدث عندما اختار الحزب السناتور جورج ماكغفرن مرشحاً رئاسياً في عام 1972. وكرر الديمقراطيون الخطأ نفسه بعد عقد من الزمن بترشيح مرشح آخر من اليسار هو الحاكم مايك دوكاكيس.

الاشتراكية بالنسبة إلى جانب كبير من الناخبين الأميركيين، مثل الخطيئة، أنت تميل إلى الاستمتاع بها ولكنك تكره الاعتراف بذلك. أدرك أوباما ذلك. لقد شرع «في تأميم» أجزاء كبيرة من قطاع الصحة، ما يقرب من 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما كان يقسم بأنه لا يمارس الاشتراكية.

إذا كان الديمقراطيون متحمسين لممداني الذي يعرض كنزاً من المزايا الإضافية باسم الاشتراكية الديمقراطية، فقد يضطر ترمب إلى شكر الشاب القادم من كمبالا على منحه ذخيرة جديدة في الحرب الثقافية التي يزعم أنه يخوضها.

لقد حذر جورج أورويل من أن «الرغبات المتباينة لشرائح المجتمع» يمكن أن تؤدي إلى «شعور الأمة بانعدام الأمان الثقافي». وقد بنى ترمب نجاحاته الانتخابية على هذا الشعور بالتحديد.

إذ كانت المرة الأخيرة حظيت فيها الاشتراكية بتغطية إعلامية كبيرة في الولايات المتحدة عندما فاز المرشح الاشتراكي يوجين ديبس بما يقرب من مليون صوت في انتخابات الرئاسة في عامي 1912 و1920. وفي الثلاثينات من القرن الماضي، فاز الاشتراكيون بأكثر من 1000 منصب انتخابي على مستوى الولايات والمحليات في جميع أنحاء البلاد، لكنهم سرعان ما تلاشوا كالثلوج في شهور الصيف اللاحقة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد