سهام القحطاني
أطلقت الدكتورة سناء البياتي، أستاذة في جامعة بغداد ورئيسة مركز إحياء التراث العلمي العربي في جامعة بغداد، «نظرية الصفر اللغوي»؛ اكتشاف السلسلة التنظيمية التي يعمل من خلالها الدماغ لإنتاج الجُمل.
وفي حوار مع الدكتورة سناء البياتي مع الإعلامي «باسم الجمل» أوضحت الدكتورة سناء أسس نظرية «الصفر اللغوي» بقولها: «إن النظرية مستوحاة من مفهوم الصفر في الرياضيات، فالصفر -كما تقول- مرحلة فاصلة بين الأعداد الموجبة و السالبة، ومنه يبدأ العد صعودا أو هبوطا، وكذلك في اللغة هناك مرحلة فاصلة بين انبثاق الفكرة في الذهن و بين التعبير عنها بجملة».
و توضح بأن «مرحلة الصفر هي المنطقة الذهنية التي تجتمع فيها المادة الخام للفكرة قبل أن تُصاغ في جملة».
وهو ما يعني أن كلا منّا يمتلك «منطقة ذهنية تحتوي على الخام اللغوي» و يبدأ هذا الخام في التشكل من خلال «الفكرة» أي مرحلة أولى بالنسبة للتشكل و مرحلة ثانية بالنسبة للسلسلة التنظيمية في شمولها، ثم من خلال «توليد الجمل الصالحة لتلك الفكرة» كمرحلة ثانية في التشكيل و المرحلة الثالثة في تسلسل العملية التنظيمية.
وترى أن هذه المرحلة «الصفر» هي مرحلة يتشارك فيها جميع البشر بخلاف طبيعة اللغات و أنظمتها، وأن اشتراك البشر في هذه المنظومة الذهنية هي التي تٌمكننا من الترجمة من لغة إلى أخرى «ولو لم يكن هناك اشتراك بين البشر في هذه المنظومة الذهنية لما كانت الترجمة بين اللغات ممكنة، لكن هذه التشاركية للمنظومة الذهنية بين اللغات لا تلغي خصوصية كل لغة.
وتوضح هذه الخصوصية بأنها مجموعة القواعد الخاصة المضافة لتلك المنظومة الذهنية المشتركة أو «القواعد الخاصة التي وضعتها الجماعة الناطقة بكل لغة».
والمرحلة الثانية هي «مرحلة تشكيل الجمل التي يمكن أن تكون لانهائية».
وتوضح الدكتورة سناء أسس نظرية «الصفر اللغوي» بأن هناك منظومة واحدة موجودة في دماغ الإنسان» وهذا هو الذي اكتشفته، ثم المراحل التي تمر ّبها هذه الفكرة حتى تتشكل في جمل.
فاللغة لا تصدر من منطقة واحدة، بل من ثلاث مناطق تمر من خلالها الفكرة بثلاث مراحل قبل أن تبدأ في صورة جملة.
المرحلة الأولى:
تحديد المعنى العام للفكرة التي تسبق الجملة أي القصدية أو الدلالة أو المضمون كون تلك القصدية، فالأفكار في أصولها ضبابية وغامضة ولا تتجلى تلك الضبابية و ذلك الغموض إلا عبر ربط قصدية معنوية لها؛ «فإذا كانت الفكرة استفهامية يتحدد لها أداة استفهام، وإذا كانت منفية يتحدد لها أداة نفي، وإذا كانت شرطية يتحدد لها أداة شرط.
المرحلة الثانية:
ربط المدلولات أو كما أسمتها «مديرية الربط» أي؛ تحديد العلاقات بين أجزاء الفكرة؛ تمثيل كيفية الربط بين الكلمات والنظام الذي يتحرك الدماغ بموجبة لتوليد الجمل التعبيرية عن الفكرة، وهذه الحركة تتم عبر شبكة معقدة من العلاقات ما بين وظائف الاسناد و التخصيص و الإضافة، لتوليد جمل تتوافق مع خصائص الفكرة و المقصد من التعبير عنها. ويمكن اعتباره تأسيس بنية لغوية لذات الفكرة في شمولها.
المرحلة الثالثة:
اختيار الألفاظ من المعجم الذهني» فهي ترى أننا «نخزن في أذهاننا أسمالا و أفعالا كثيرة ،لكننا لا نستخدمها إلا بعد أن يرتبط المعنى في الذهن، فيأتي الإيعاز لاختيار الدال المناسب من المعجم ليعبر عن المدلول» أي الربط بين الكلمات و الدلالات المتوافقة للفكرة و للموقف التواصلي و المناسبة الوظيفية، وهنا تتجلى القدرة الإبداعية للفرد في القدرة على «فرز و تصنيف الكلمات المناسبة لبناء موقف تواصلي ناجح».
وهذه المرحلة تعني «إضافة سياق إلى بنية الفكرة «وإخراجها من شمولية المعنى إلى خصوصية الدلالة».
وترى الدكتورة سناء بأن هناك علاقة بين الصفر اللغوي و النظرية اللسانية الإدراكية التي تهتم بدراسة تحليل الإنتاج اللغوي للفرد وفق عملياته العقلية ومدى عمقها أو دون ذلك في الإدراك و الفهم والتحليل.
كما ترتبط نظرية الصفر اللغوي بالنظرية النفسية وعلاقتهم بالإدراك، فالإدراك يبدأ من الكل ثم الجزء، والأمر ذاته في اللغة فإدارك الفكرة تبدأ أولا من المفهوم ثم التفاصيل وبعدها تتبلور تلك التفاصيل من خلال الجمل.
هل نظرية الصفر اللغوي مبحث جديد في اللغة العربية؟
تجيب الدكتورة سناء نفسها على هذا السؤال: بأن هناك إرهاصات لهذه النظرية في التراث اللغوي و النحوي العربي، لكنها هي التي استطاعت أن تتوصل من خلال تلك الإرهاصات وصياغة منظومة ترابطية بعضها ببعض استنادًا إلى بعض النظريات اللغوية واللسانية و النفسية الحديثة لتُشكل من خلالها نظرية «الصفر اللغوي».
لقد استطاعت الدكتورة سناء أن تكسر حصرية التفوق النظري اللغوي التي كانت قاصرة على الرجل، وأثبتت قدرة المرأة على امتلاكها صناعة قيمة مضافة لفضاء اللغة وليست مجرد تابع لجمع المذكر السالم.

