لا تبخل سوريا «الجديدة» أو «الانتقالية» بالمفاجآت التاريخية على نحو شبه يومي. بعد عقود من التمثال الذي لا يتغير، يعلن كل يوم عن متغير غير مألوف، وغير متوقع. كانت «سوريا الأسد» تعقد سياسة استراتيجية عميقة مع أميركا، وفي العلن تقاطعها، وتؤنبها، وتقدم القواعد للروس. رفض حافظ الأسد زيارة واشنطن، «وأرغم» بيل كلينتون على لقائه في أرض حيادية في جنيف. أعطى الشكليات أهمية الجوهر.
الآن أحمد الشرع هو أول رئيس سوري يزور الولايات المتحدة وسط كل المراسم المعلنة. كان ذكر اسم أميركا في سوريا يثير الهمس والاستنكار. ولكن حكمت الشهابي، أحد أركان النظام، كان مع أفراد عائلته يحمل «الغرين كارد» المؤدي إلى حمل الجنسية.
أبو محمد الجولاني المطلوب على لائحة الإرهاب الأميركية هو ضيف البيت الأبيض باسمه الحقيقي، لا بلقبه الحركي. وكان الأسد الأب يرفض زيارة لبنان لكي لا يعتبر ذلك اعترافاً بدولة لا وجود لها في الفكر السياسي السوري. بين أولى الخطوات التي قام بها الشرع نزع الصفة الفوقية عن العلاقة مع لبنان، وإلغاء «المجلس الأعلى» بين الدولتين، وهو هيئة لا عمل لها سوى أن تكون أعلى من الدولة اللبنانية.
الطريق طويل وصعب. والنظرة الفوقية إلى لبنان، واعتباره لقيطاً غير شرعي، لم تكن وقفاً على حزب «البعث» الحاكم، ونصف مليون من أعضائه، بل هي اقتناع واسع بأن لبنان سلخ عن سوريا مثل الإقليم السليب في الإسكندرون، حيث لا يزال أهل المنطقة يحتفظون بلغتهم العربية حتى اليوم.
يقال إن لبنان بلد التنوع والطوائف والإثنيات. لكن الحقيقة أن سوريا هي ذلك البلد. ومهمة الشرع ليست سهلة أبداً في إعادة اللحمة الوطنية إلى «الجمهورية العربية السورية». ومن الواضح والمعلن أيضاً أن تركيا تلعب دوراً أساسياً في هذه المسألة بسبب تداخل عناصر الجغرافيا والتاريخ والإثنيات والطوائف. لقد تكونت هذه اللوحة البشرية خلال 5 قرون من الإمبراطورية العثمانية التي استوعبت كل هذه الأمواج. والآن يعاد ترتيبها في حذر ومشقة، ولكن في ظل متغيرات لا تصدق: رئيس سوريا في البيت الأبيض، وعبد الله أوجلان قريباً عند إردوغان.

