: آخر تحديث

الخُمس والزكاة وحروب الردة

3
2
3

تحدثنا في مقال سابق بشيء من الإيجاز عن فريضة الخُمس، وطالب البعض بالكتابة عن «الزكاة»، وأن أُبَيِّنَ بعض ما بين الفريضتين من اختلافات.

تختلف أحكام وموجبات الزكاة بين الشيعة والسنّة، كاختلافهما على «الخُمس»، وذلك في نواحٍ أساسية عدة، خاصة «كيف تُحصَّل؟» و«لمن تُدفع؟». فالزكاة واجبة الدفع لدى السنة والشيعة على أصناف معينة من الأموال، وهي تسعة: الذهب، والفضة، والإبل، والبقر، والغنم، والحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وذلك بشروط معينة، مثل بلوغ النصاب (أي أن تكون قد بلغت كمية معينة)، ومرور الحول عليها (أي مرور سنة هجرية كاملة). (مع ملاحظة أن السّنة يوسعون دائرة الأموال الزكوية، لتشمل عروض التجارة والنقود وغيرها بشكل واضح).

وتختلف بعض تفاصيل شروط وحساب الزكاة بين المذاهب، بما في ذلك النسبة المئوية المستحقة على أنواع الأموال المختلفة؛ فزكاة الأنعام والزروع لها حساباتها الخاصة المختلفة عن زكاة النقدين (الذهب والفضة)، وعروض التجارة التي تبلغ نسبتها 2.5%. وتُعطى الزكاة أساساً للفقراء والمساكين وغيرهم، وعدد فئاتهم ثمانٍ، كما ورد في المصحف. وإذا كانت «الزكاة» بمعناها الواسع تشمل كل ما ينمو من مال بشروط محددة، فإن «الخُمس» (عند الشيعة الإمامية) فريضة مالية تجب بنسبة 20% على موارد محددة، منها ما يَفضُل عن مؤونة السنة للمكلَّف وعياله من أرباح المكاسب، إضافة إلى موارد أخرى، مثل غنائم الحرب (بالمعنى الأعم)، والمعادن، والكنز، وما يستخرج بالغوص، والمال المختلط بالحرام (بعد استخلاصه بشروطه).

ليس من السهل على أي مسلم حساب زكاته بدقة في كل الأحوال، وفي ما يتعلق بـ«الخُمس» عند الشيعة، فإن له مصارف محددة: نصفها لسهم الإمام، ونصفها الآخر لسهم السادة من بني هاشم الفقراء. أما الزكاة، فيمكن دفعها لفقراء المسلمين عموماً، مع تفصيلات في المذاهب حول دفعها لفقراء بني هاشم. ولدى السنّة أيضاً تشريعٌ للخُمس، يُطبق بشكل أساسي على غنائم الحرب وما في حكمها كالركاز (الكنوز)، وقد يختلف نطاق تطبيقه العملي اليوم باختلاف الظروف مقارنةً بالماضي. بينما يطبق الشيعة الخُمس، كما ذكرنا، على نطاق أوسع، يشمل بشكل عام الأرباح السنوية والأموال الزائدة على الحاجة.

احتساب الزكاة، خاصة للموسرين، مسألة قد تكون دقيقة، وتتطلب معرفة بالتفاصيل، كما تتطلب تحديد الأموال التي تجب فيها الزكاة، من نقود وذهب وفضة (لغير الزينة الشخصية المعتادة عند بعض الفقهاء)، وأرباح التجارة، والأسهم، والودائع البنكية، وبعض أنواع الأصول والاستثمارات، والمحاصيل الزراعية وغيرها، كما يجب التأكد أنها بلغت في قيمتها أو وزنها حدًا معينًا (أي النصاب)، والتيقن من مرور سنة هجرية على تملكها، والقيام بعدها بخصم الديون، المستحقة على دافع الزكاة، من صافي القيمة الخاضعة للزكاة. وغالبًا ما تُعطى الزكاة مباشرة للفقراء والمحتاجين، أو عبر جهات خيرية موثوقة. كما أن زكاة الشركات، مثلما في القانون الكويتي، تُفرض بنسبة 1% على أرباح الشركات المساهمة، ويتطلب وجود محاسب قانوني لتقديرها. وجعل الزكاة هنا 1%، بدلاً من 2.5%، مثالٌ على تطور الأحكام الفقهية لتناسب المستجدات، مما يدعم وجهة نظرنا القائلة: «إن الكثير من الأمور يمكن أن تتغير مع تغير الظروف. فكل حكومات الدول الإسلامية، مثلاً، لا دور لها في تحصيل الزكاة وتوزيعها بشكل كامل، أو التيقن من أن كل مسلم يخرجها ويدفعها لمستحقيها»، علماً بأنها كانت يوماً سبباً لإعلان الخليفة أبي بكر الحرب على بعض القبائل، بعد أن امتنعوا عن دفعها لبيت المال، إثر وفاة «النبي ﷺ»، لأنه اعتبر فعلهم خروجاً عن الدولة وردةً. وهذا يُبيّن أن للزكاة أهمية مالية واجتماعية كبرى، شبيهة بالضرائب في العصر الحديث، التي يعتبر الامتناع عن دفعها (في النظم الحديثة) جريمةً. لكن مع الوقت تغيّر النهج الرسمي للدولة تجاه كيفية التعامل مع الزكاة في كثير من الأقطار، وهنا أيضاً قد يرى البعض أن هذا التغيير يؤكد وجهة نظرنا من أن أي أمر اجتهادي لا يتسق مع متطلبات العصر، ولا يتفق مع المنطق السليم، يمكن إعادة النظر فيه.

أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد