: آخر تحديث

تحديات حرجة للانتخابات السورية

9
8
8

د. محمد السعيد إدريس

على خلاف كل ما يمكن اعتباره «أنباء سيئة السمعة» التي تتواتر من سوريا وتصب في خانة أن «سوريا تتجه لتصبح دولة فاشلة» لأسباب كثيرة في مقدمتها الجنوح نحو «التفكك الوطني» كخيار معاكس تماماً لخيار «التوحد الوطني» سواء بسبب مخططات واستراتيجيات خارجية تعمل من أجل ذلك أو لأسباب وصراعات داخلية عرقية (كردية) أو طائفية (علوية ودرزية)، فاجأت سوريا كل من يهمهم أمرها بنبأ معاكس لكل نوازع التشاؤم يقول، إن النظام الحاكم في دمشق حدد موعد إجراء انتخابات مجلس الشعب السوري يومي 15 و20 سبتمبر/أيلول المقبل، أي بعد شهر ونصف الشهر من الآن فقط، نبأ يوحي بأن هناك رهاناً من الحكومة على تأمين الاستقرار السياسي والأمني واستعادة التوحد الوطني على الرغم من كل ما شهدته وتشهده سوريا من صراعات داخلية، واعتداءات إسرائيلية تؤكد ما تعلنه الدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية أن «سوريا الجيدة هي سوريا المفككة»، وأن الدولة المركزية السورية يجب ألا تعود «وأن» مرجعيات القرار السوري الأمنية والسياسية يجب أن تكون متعددة»، أي«لن تكون سوريّة بحتة» ولكن«المرجعية الإسرائيلية» ستكون حاسمة في هذا المجال. فقد أعلنت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب في سوريا على لسان رئيسها بعد لقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع (26-7-2025) موعد إجراء الانتخابات، وأن الرئيس اطّلع على أهم التعديلات التي أجريت على النظام الانتخابي، ومنها زيادة عدد مقاعد المجلس من 150 مقعداً إلى 210 مقاعد، ومن ثم زيادة حصة المحافظات. السؤال الذي يلحّ بهذا الخصوص هو: هل إجراء انتخابات ناجحة في سوريا تحتاج فقط إلى زيادة عدد مقاعد المجلس النيابي، أم أنها تحتاج إلى ما هو أهم وهو تحقيق الاستقرار السياسي والمصالحة الوطنية، والتوافق على مشروع سياسي وطني يأخذ بمبدأ«المواطنة المتساوية» ويحقق تكافؤ الفرص السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين كل المواطنين من دون أي تمييز طبقي وعرقي أو طائفي ومذهبي، وقبل ذلك يكون الأمن الوطني قد تحقق، والاقتتال العرقي والطائفي قد توقف، وأن سلطة الدولة باتت مؤكدة على كافة مساحاتها، وليس على ما يساوي ثلث تلك المساحة فقط؟ فقرار إجراء انتخابات مجلس الشعب السوري الآن يواجه الكثير من التحديات لكن يمكن حصر أبرزها في ثلاثة تحديات منها تحديان داخليان: التحدي الكردي في الشمال والتحدي الدرزي في الجنوب، فضلاً عن التحدي العلوي في الساحل الغربي. أما التحدي الثالث والأخطر فهو التحدي الإسرائيلي الذي يستهدف تفكيك سوريا وتحويلها إلى أربع دويلات عرقية وطائفية، دولة كردية في الشمال الشرقي، ودولة علوية في الساحل الغربي، ودولة درزية في الجنوب، ودولة سنيّة في الوسط تكون عاصمتها دمشق. التحدي الكردي مازال قائماً ومن شأنه جعل فكرة إجراء انتخابات مجلس الشعب في المناطق الشاسعة التي تحكمها قوات سوريا الديمقراطية «قسد» التنظيم العسكري الحاكم للأكراد في الشمال السوري الشرقي فكرة مستحيلة. فقوات سوريا الديمقراطية ترفض العودة إلى فكرة «الدولة المركزية» وتطالب بنظام حكم سوري جديد يأخذ ب«الفيدرالية» أي الدولة الاتحادية غير المركزية التي تعطي للكرد حق الحكم الذاتي، كما أنهم يرفضون تسليم السلاح، ويطالبون، على نحو ما ورد على لسان «أبجر داوود» المتحدث الرسمي باسم«قسد»، «الانضمام إلى الجيش السوري عبر اتفاق دستوري قانوني يعترف بخصوصية قواتنا، على أن تدمج كتلة عسكرية موحدة في مناطق سيطرتها ضمن الجيش السوري». «قوات سوريا الديمقراطية»(قسد) تسيطر على كامل محافظة الحسكة (شمال شرق) ومركز مدينة الرقة، ومدينة الطبقة (شمالاً) وريف دير الزور الشمالي والشرقي، إضافة إلى مدينة عين العرب الواقعة بريف حلب الشرقي، كما وسعت مناطق سيطرتها، بعد سقوط النظام السابق، إلى بلدتي دير حافر ومسكنه، الواقعتين بريف حلب الشرقي وبلدة المنصورة بريف الرقة، ومزارع وقرى تقع في الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وتقدر إجمالي هذه المساحة بنحو ثلث الأراضي السورية. هذه المساحة الهائلة غير خاضعة للسلطات المركزية في دمشق، فكيف ستجري فيها هذه السلطات انتخابات. أم أن الانتخابات لن تشمل هذه المساحات، وهذا سيجعل المجلس الجديد بعد انتخابه مجلساً غير شرعي لا يمثل كل الشعب السوري. التحدي الدرزي لا يقل خطورة، فرغم توقيع اتفاق التهدئة بعد الاقتتال الذي حدث يوم الأحد (13 يوليو/ تموز الفائت) بين فصائل محلية من طائفة الموحدين الدروز وميليشيات بدوية متطرفة، ثم دخول قوات الجيش والأمن كطرف في الصراع، مازال التوتر هو سيد الموقف، في ظل وجود قدر كبير من عدم الثقة المتبادل بين الدروز وقبائل البدو وقوات الأمن، وغلبة النوازع الطائفية على الصراع، وفي ظل إصرار إسرائيلي على تغذية هذا الصراع، ووجود أطراف درزية تثق بأن إسرائيل يمكن أن تكون «ملاذاً آمناً» في وجه السلطات المركزية. يأتي التحدي الإسرائيلي ليكمل وطأة التحديات التي تواجه خيار الانتخابات، فكيف سيكون موقف سلطات دمشق عندما يجيء موعد إجراء تلك الانتخابات وتجد نفسها عاجزة عن إجرائها في ما يقرب من نصف مساحة سوريا؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد