دائمًا ما أجد نفسي في صراعٍ داخلي عندما أتطرق للحديث عن الزواج والطلاق، فهو موضوع يحمل ثقلاً عظيمًا في نفسي، من الصعب الحديث عنه للأمانة، فالحديث عن تجاربنا الشخصية يُعري الستر، وكشف المستور من أعظم الكبائر التي لا تغتفر في قواعد الحياة الزوجية، ولكنني أؤمن أن نقل نتائج تجربة حياتية حقيقية قد تضيء الطريق للآخرين وتساعدهم في التعامل مع المواقف الصعبة. فمن خلال تجارب من سبق، يمكننا أن نتعلم أكثر أن نخوض التجربة بأنفسنا. فالصفعات التي نتلقاها من الحياة تترك آثارًا عميقة في ذاكرتنا، كالوشم، وتحفر في قلوبنا دموعًا لا تنسى. في مقالتي هذه، سأتحدث عن نتاج وحصاد ذهني بعد تجربتين خضتهما، الأولى استمرت سبعة وعشرين عامًا، والثانية أسبوعين فقط. من خلال هاتين التجربتين، تعلمت درسًا عظيمًا مفاده بأن الحب ليس سوى وهم، وأنه مفهوم تم زرعه بنجاح في حياتنا لتسهيل انهيار العلاقات. في عالم تسيطر فيه الأهواء والمشاعر المتقلبة، يجب أن نعود إلى الفطرة السليمة لبناء حياة مستقرة. فالزواج ليس مجرد انعكاس لمشاعر عاطفية عابرة، بل هو رابطة دينية واجتماعية يجب أن تقوم على أسس متينة وعقلانية.
فالزواج في الإسلام ليس مجرد التقاء بين الرجل والمرأة، بل هو رباط مقدس، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم: 21). وهذه الآية تبيّن أن الزواج ليس فقط التقاء جسديًا، بل هو سكون، مودة ورحمة. فالمشاعر ليست أساس بناء العلاقة، بل هي نتيجة لما يجب أن يقوم عليه الزواج من تعاونٍ وإعمارٍ مستمرين.
ولا يمكن للزواج أن ينجح إذا بنيناه على مشاعر متقلبة، ففي كل لحظة قد تطرأ مواقف تسبب الغضب أو الغيرة، وهذه المشاعر، إذا تم التعامل معها بلا وعي، قد تؤدي إلى هدم العلاقة. وقد أشار لنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في توجيه رباني عظيم إلى كيفية التعامل مع هذه المشاعر، حيث يقول: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران: 134).
الغضب والغيرة قد يكونان سمة إيجابية إذا تم إدراجهما بشكل صحيح ضمن منظومة الزواج، ولكن التحول إلى الشك والاتهام المستمر يدمر الثقة، وهو ما يهدد استقرار العلاقة. فالزواج لا ينبغي أن يكون مرهونًا بالمشاعر المتقلبة، بل يجب أن يكون مدعومًا بالقيم والأخلاق الإسلامية التي تبني الأسس الصحيحة. كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا وَنِسَاءً) (النساء: 1). ومنذ بداية الخليقة، كان الزواج رابطًا مبنيًا على التكامل والمودة، وليس مجرد مشاعر وقتية. لذا فإن أسس العلاقة يجب أن تكون راسخة في الإيمان والطاعة لله.
ومن أهم أسباب الخيانة الزوجية في عصرنا وانهيار البيوت الهشة هو إضعاف فهمنا لمعنى الزواج الحقيقي. فإذا تم تجاهل الالتزام بالمسؤوليات الشرعية في العلاقة، يصبح الزواج عرضة للتحديات. ففي الوقت الذي يبدأ فيه الرجل في الانجذاب إلى امرأة أخرى، أو تشعر المرأة بالنقص، يصبح من السهل أن يُهدَر الرابط المقدس. وهنا، يدخل الشيطان ليُفسد ما هو طيب وحلال.
ويكمن الحل ليعيد أركان الاتزان في بيوتنا في العودة إلى أصل العلاقة الزوجية، كما كانت بين أبونا آدم وأمّنا حواء. العلاقة بينهما كانت قائمة على التكامل، المودة، والوعي العميق بأن الله سبحانه وتعالى هو من وضع هذه الرابطة. ولذلك يجب أن نبني علاقاتنا على أسس ثابتة من الدين والشرع، وليس على الأهواء الشخصية.
فعلينا أن نعيد النظر في أسس علاقاتنا الزوجية. لا ينبغي أن نبنيها على مشاعر عابرة أو تصورات غير واقعية. يجب أن نعود إلى فهم عميق ومتكامل لما يعنيه الزواج في الإسلام، ونبني علاقاتنا على الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والوفاء بالواجبات، والصدق في التعامل. إن الزواج ليس ارتباطًا عابرًا بل رحلة طويلة تحتاج إلى الإيمان والتفاني.
لنحرص على أن تكون بيوتنا قائمة على الصدق، الوفاء، والتفاهم. لنواجه الحياة الزوجية كما أمرنا الله ورسوله، ونغرس في قلوبنا روح التعاون، لنبني مجتمعًا تعلو فيه القيم والمبادئ، ويعمر بيوتنا بالاستقرار والسكينة، ولنُحَكِّم عقولنا ولا نضع للأهواء مكاناً في ثوابت الأمور يقول سبحانه وتعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (البقرة: 269).
حفظ الله بيوتنا وبيوت المسلمين من فتنة الشياطين، وجعلها بيوتًا عامرة بالسلام والإيمان، والأمان.