: آخر تحديث

العرب والغرب والجماعة

2
1
2

أمينة خيري

هل تأخر إقرار العالم الغربي بخطورة تنظيم الإخوان؟، نعم تأخر كثيراً، لكن أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي، وتصر على التعامل مع تنظيم قائم على بث السموم ونشر الفتن، باعتباره تنظيماً سلمياً لطيفاً، أو حزباً سياسياً مشروعاً، أو جماعة دينية يحق لها البقاء والانتشار. سنوات طويلة، والعديد من دول العالم الغربي إما لا تهتم كثيراً بالجماعة، أو تعتبرها «جماعة كيوت»، تجمع بين الأعمال الخيرية السامية، والأفكار السياسية الوسطية، والتعايش السلمي الراقي في دول المهجر، أو تعرف في قرارة كواليسها السياسية، أن الجماعة تخدم مصالحها في الشرق الأوسط وغيرها من الدول الإسلامية، فتستخدمها تارة أداة للضغط، وأخرى وسيلة للمقايضة.

تعامل الغرب مع الجماعة ظل منذ نشأة الأخيرة في عشرينيات القرن الماضي يتسم بالتعقيد والتشابك، لكنه تعقيد مدروس، وتشابك مسبب. هذه الجماعة التي احترفت استلاب القلوب، وتغييب العقول في دول عربية وإسلامية عدة، عبر خطاب ديني واجتماعي وخيري، تبدو وكأنها جماعة أخرى تماماً عن تلك التي تعمل بأسلوب براغماتي، وتخطط بطرق علمية وعملية على الجانب الآخر من الكوكب. مراكز بحثية، وجامعات يشرف على أقسام الشرق الأوسط فيها أكاديميون، إما ينتمون للجماعة، أو متعاطفون أو موظفون لخدمتها، هيئات ومؤسسات وجمعيات للتواصل مع المجتمعات المضيفة، ومنها ما نجح في التغلغل إلى قلب مؤسسات الحكم، مقالات رأي وأوراق بحثية قائمة على فكر المظلومية المزمن، ولكن متناولة بطريقة يفهمها ويهضمها العقل الغربي، والأمثلة كثيرة.

ومنذ انكشاف غطاء الجماعة عن ماهيتها، وأغراضها وهدفها الأكبر، ألا وهو إطباق قبضتها على الحكم والسلطة من بوابة مصر، في أعقاب أحداث عام 2011، والقلوب والعقول العربية المخلصة تبذل جهداً خارقاً للتنبيه والتحذير، ووقف الخطر الداهم. بُح صوت قاعدة عريضة من المصريين، وهي تحذر من مغبة هيمنة الجماعة وتمكنها من رقبة ومفاصل مصر. في تلك الأثناء، بذلت دول غربية عدة جهداً خارقاً أيضاً في التمسك بتلابيب الجماعة، ودفعها وتأمين ومباركة ودعم صعودها إلى سدة الحكم.

في ذلك الوقت، لم ترَ هذه الدول، أو قررت ألا ترى، أفعال الجماعة في دول المنشأ، لا دول المهجر، بين فكر غارق في الفوقية والرجعية والتشدد، وغسل الأدمغة، واعتبار مريديها مواطنين درجة أولى، وهيمنة على مفاصل الدولة، لتصبح شبه دولة، تسيطر عليها طائفة نصّبت نفسها أعلى وأفضل وأرقى من غيرها من البشر.

في تلك الأثناء أيضاً، كانت أصوات مصرية تحذر من ضلوع قنوات ومنصات إعلامية، وشخصيات عامة، ومراكز بحثية وأكاديمية وحقوقية، في جهود إجبار المصريين، ومن بعدهم شعوب أخرى في المنطقة، على تجرع سم الإخوان قسراً. لم يمضِ تحذير أو توضيح صادر عن مصر أو أشقائها حول حقيقة الجماعة ونواياها، إلا وقوبل بالنفي أو الرفض أو السخرية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، حين تحدث البعض عن دور محامية بريطانية لامعة من أصول لبنانية، في صياغة دستور الجماعة عام 2012، تسارعت الطلقات المنكرة والمستنكرة والساخرة.

ولن ينسى التاريخ دور الأشقاء، وعلى رأسهم دولة الإمارات والسعودية، في دعم مصر والمصريين في هذا الوقت العصيب، واتخاذ العديد من الخطوات والإجراءات الحاسمة تجاه الجماعة المسمومة. اليوم، صمت العالم، وصُدِم أمام تغريدة القيادي الإخواني، عمرو عبد الهادي، وهو يقر بصياغة المحامية البريطانية دستور الإخوان 2012.. وصمت كذلك أمام قول زوجها، الممثل الشهير، بأن زوجته شاركت في الصياغة، وذلك ضمن تفاخره بخبرة زوجته المهنية.

وصمت أمام الأمر التنفيذي الذي وقّعه الرئيس ترامب، والذي يقضي بدراسة تصنيف بعض من فروع جماعة الإخوان كمنظمات إرهابية أجنبية.. وصمت قبلها حين صدر تقرير حكومي فرنسي في مايو الماضي، يشير إلى اختراق واسع النطاق، تقوم به الجماعة داخل المجتمع الفرنسي، عبر شبكة مؤسسات وأفراد. غاية القول، إن ما تنبهت له مصر والإمارات والسعودية، وحذرت منه، واتخذت خطوات في شأنه قبل سنوات، استيقظ عليه العالم اليوم.. إنها ألعاب المصالح والتوازنات، لا القيم والمبادئ.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد