: آخر تحديث

التحوّل السعودي - الفرنسي: إعادة فلسطين إلى مركز المشهد الدولي

6
7
6

حسين الراوي

في مشهد دبلوماسي غير مألوف، عادت القضية الفلسطينية إلى واجهة النقاش الدولي من بوابة نيويورك، تحت رعاية مشتركة بين السعودية وفرنسا، في مؤتمر عالي المستوى عُقد في مقر الأمم المتحدة خلال يومي 28 و29 يوليو 2025.

حملت الرياض راية الحشد، وصاغت البيان، وقدمت الملف من جديد إلى رقعة اللعبة الدولية، بعد أن ظل لسنوات رهينة التجاهل الأميركي والمساومات الإسرائيلية.

ما ميّز هذا المؤتمر ليس فقط مستوى التمثيل أو عدد الدول المشاركة، بل النبرة السعودية الحازمة التي انتقلت من لغة الدعم الخطابي إلى موقع الفعل القيادي. ومنذ وصول الوفد السعودي، بدا واضحاً أن المملكة لم تأتِ لتشارك فحسب، بل لإدارة الملف الفلسطيني بصفتها طرفاً رئيسياً...

وقد أكدت السعودية بشكل مباشر عبر وزير خارجيتها، أن السلام لا يتحقق من دون اعتراف كامل بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. لم يكن هذا مجرد شعار متكرر، بل رسالة واضحة للغرب، وخصوصاً للولايات المتحدة... إن كانت فلسطين رهينة للفيتو الأميركي - الإسرائيلي، فإن الرياض تعلن أنها لن تدع الأمر مستمراً.

عُقد الاجتماع الدولي الواسع بمشاركة نحو 125 دولة ومنظمة، وهو أول مؤتمر ينعقد حول القضية الفلسطينية خارج الإطار الأميركي منذ أكثر من عقد.

وطُرحت خلاله أربعة محاور أساسية: دعم جماعي لحل الدولتين من دون مواربة، إدانة التوسع الاستيطاني، الدعوة إلى قمة أممية في سبتمبر للاعتراف الجماعي بالدولة الفلسطينية، وتكوين لجنة متابعة دبلوماسية بقيادة سعودية - فرنسية.

في كلمته الافتتاحية، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن «السلام ليس صفقة، بل التزام تاريخي وأخلاقي، ولن يتحقق ما لم يشعر الفلسطيني بأنه حرّ في وطنه، آمن في أرضه، سيد على قراره».

بهذه العبارة، وضعت المملكة إطاراً جديداً للتفاوض: لا رضوخ بل شراكة، لا أمن مادي فقط بل سلام عادل ومتكامل.

وبينما لاقت مخرجات المؤتمر، ترحيباً فلسطينياً وعربياً، جاء الغياب الأميركي والإسرائيلي بارزاً. إسرائيل اعتبرت المؤتمر محاولة لتدويل الملف وتقويض الأمن الإقليمي، والإعلام فيها تحدث عن «خسارة سياسية» أمام المبادرة السعودية.

ومُساءلة داخل إسرائيل بدأت تُثار حول فشل الحكومة في فهم التحولات المقبلة، لاسيما بعد تقارب الرياض مع قوى دولية مثل فرنسا وروسيا والصين، ورفضها لتحويل الملف إلى امتداد للنفوذ الأميركي.

نجح المؤتمر في كسر حاجز العزلة عن الفلسطينيين، وأعادهم إلى المعادلة الدولية كطرف أساسي، وليس قضية هامشية. كما أوحى بأن عالماً جديداً يتشكل من رفض الاحتلال، ومن تزايد المعنويات الدولية المناهضة له بعد الحرب على غزة.

المؤكد أن اللغة التي خرجت بها السعودية خلال المؤتمر لم تكن تقليدية، بل لغة حسم ومبادرة. لقد أعادت بذلك الملف إلى الطاولة العالمية، بدلاً من أن تبقى فلسطين رهينة لقرارات دولية مترددة.

في الختام، خرج البيان الختامي مؤكداً على مركزية القضية الفلسطينية في ضمير العالم، ودعا إلى عقد قمة دولية في سبتمبر خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لمناقشة الاعتراف الجماعي بالدولة الفلسطينية.

ووُصف المؤتمر بأنه تحوّل دبلوماسي غير مسبوق، عزز التحالف حول حل الدولتين، وأبدى مؤشرات جادة على تراجع التأثير الأميركي في هذا الملف.

وقد أثبتت المملكة من خلال هذا التحرك أنها قادرة على تحريك المياه الراكدة، وإعادة بناء الإجماع الدولي حول قضية كانت على وشك التهميش. من نيويورك، لم تصغ البيان فحسب، بل أعادت كتابة لغة السياسة حول فلسطين - بصوت العدالة والحق الذي لا يُقهَر مهما طال الصمت.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد