: آخر تحديث

تحديات أغسطس

8
8
7

بين طياته حرارة الصيف، يحمل أغسطس معه رزمًا من التحديات الصحية العالمية التي تستدعي الالتفات العميق، وتُلقي بظلالها على حياة الملايين، إنه شهر تتضافر فيه جهود التوعية والتحذير، من أمراض مناعية غامضة إلى قوة اللقاحات المنقذة للحياة، وصولًا إلى الأهمية القصوى للرضاعة الطبيعية. تحديات أغسطس ليست مجرد أرقام، بل هي دعوة للعمل.

يبدأ الشهر بتحذير أممي يذكرنا بـالصدفية، هذا المرض المناعي الذي لا سبب واضحاً له، ويهدد 125 مليون شخص حول العالم. تتزامن هذه التحديات مع الاحتفال بالشهر الوطني للمناعة، وهو تناقض يدفعنا للتساؤل عن مدى فهمنا لجهازنا المناعي وكيفية حمايته، ففي كل عام، يُصاب مليار شخص بالإنفلونزا الموسمية، لكن بارقة الأمل تكمن في اللقاحات التي تنقذ ما يقرب من 2-3 ملايين روح سنويًا، وتوفر حماية ضد أكثر من 25 نوعًا من العدوى، هذا الرقم وحده يجسد قوة العلم في التصدي للأوبئة، ويؤكد أن الوقاية هي الاستثمار الأمثل.

لكن الجوهرة الحقيقية في تحديات أغسطس تتجلى في الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية. إنه ليس مجرد مناسبة، بل هو استثمار حقيقي في صحة الأجيال ومستقبلها. تؤكد منظمة الصحة العالمية أن الرضاعة الطبيعية تحمي 820,000 طفل دون الخامسة من الوفاة سنويًا، وتقلل بشكل كبير من خطر إصابة الأمهات بسرطاني الثدي والمبيض، إنها ليست مجرد غذاء، بل هي "هرمون السعادة" للمرأة، تعزز رشاقة الأم وجهاز المناعة الهش للطفل في أشهره الأولى، بل وتعمل كوسيلة طبيعية لمنع الحمل بتحفيز إفراز هرمون البرولاكتين. الأطفال الذين يرضعون طبيعيًا أقل عرضة لأمراض شائعة كالإسهال والالتهاب الرئوي. ومع هذه الفوائد الجمة، يأتي تحذير حاد من اقتحام شركات الحليب الصناعي للمستشفيات، ما يهدد بتأثير سلبي على هذه الممارسة الحيوية.

إن هذه التحديات المتجددة، من الأمراض المناعية إلى مواسم الأوبئة والتحولات في أنماط الحياة الصحية، تلقي بتبعات ثقيلة على وزارات الصحة في العالم أجمع. فهي تتطلب منها استثمارات ضخمة في البنية التحتية، البحث والتطوير، وتوفير الكوادر البشرية المتخصصة. لكن الجهود الحكومية وحدها لا تكفي؛ هنا تبرز الأهمية القصوى للوعي الاجتماعي والمعرفي والتثقيفي للمجتمع بمكوناته البشرية كافة. فالاستجابة الفعالة لهذه التحديات تبدأ من الفرد، بمعرفته الصحية السليمة، وتبنيه للممارسات الوقائية، ودعمه للمبادرات الصحية. هذا الوعي الجمعي يشكل الدرع الحصين الذي يحمي الأفراد، ويخفف العبء عن الأنظمة الصحية، ويمهد الطريق نحو مستقبل أكثر صحة للجميع.

وسيأتي شهر سبتمبر بتحدٍ آخر يتمثل في سرطان الدم وتداعياته العالمية، والتحديات التي توجه دول العالم لكبح جماحه والسيطرة عليه، بوعي ووقاية وعلم وأبحاث، وتجارب معملية، وتأهيل أطباء وكوادر صحية قادرة على المواجهة النموذجية لأخطر أمراض العصر، التي تصيب كل فئات المجتمع دون استثناء.

فمازلنا -مع حرارة الطقس الحارقة- نستعد لمواجهة أمراض متوطنة، وأخرى ربما تُكتشف حديثاً، وبارقة آمال في أدوية وعلاجات ولقاحات تسعد البشرية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد