: آخر تحديث

الصحفيون على مائدة الذكاء الاصطناعي!

8
7
7

هاني الظاهري

الإعلام يتغيّر بسرعة مذهلة، أسرع بكثير مما كنا نتخيل، يدفعه إلى هذا التحوّل التاريخي وقود قد يخرج عن السيطرة في أي وقت، وقود سريع التفاعل اسمه الذكاء الاصطناعي.

لم يعد السؤال اليوم: «هل يؤثر الذكاء الاصطناعي على الإعلام؟».. بل أصبح «كيف سيعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل وجه الإعلام؟».

قبل عشر سنوات من اليوم لم يكن من السهل أن نصدق أن تكتب خوارزمية تقرير صحافي وفق أعلى درجات المهنية، أو أن يُنتج روبوت صوتي نشرة إخبارية بصوت بشري خالص. أما اليوم، فقد أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) محررًا صحفيًا، ومخرجًا تلفزيونيًا، ومحللًا سياسيًا، وجمهورًا يتفاعل!

«واشنطن بوست» المنصة الإعلامية العالمية التي يُقرأ محتواها يوميًا في كل بقاع هذا الكوكب تستخدم الآن خوارزمية تُدعى Heliograf لكتابة تقارير رياضية وسياسية بشكل لحظي. وآلاف الأخبار تُكتب كل عام بلا يد بشرية، لكنها لا تبدو آلية أو باردة، بل دقيقة، ومنسقة، وموجهة للجمهور الصحيح.

وفي أقصى شرق العالم هناك محطة صينية اسمها Xinhua أطلقت أول مذيع ذكاء اصطناعي قبل ثماني سنوات، مذيع لا ينام، ولا يخطئ، ولا يغيب، ويُطل على الناس 24 ساعة في اليوم بنبرة صوت ثابتة ووجه لا يشيخ.

تخيل أن خبرًا عاجلًا عن زلزال يضرب منطقة معينة، يُكتب خلال ثوانٍ، يُوزع على منصات التواصل، ويُترجم فورًا بلغات متعددة – كل ذلك بدون تدخل بشري.

أما في مجال المونتاج، فيمكن للذكاء الاصطناعي خلال دقائق تحليل لقطات فيديو مدتها ساعات طويلة ومن ثم اختيار أفضل المقاطع لإنتاج قصة مرئية مدهشة، بينما يحتاج فيه الإنسان إلى ساعات وربما أيام للقيام بالمهمة نفسها!

الأهم من ذلك أن الخوارزميات لا تنشر فقط، بل تعرف من أنت، وماذا تحب، ومتى تميل للقراءة أو المشاهدة، فالمحتوى الإعلامي اليوم أصبح مُفصّلًا بحسب شخصية المستخدم وتاريخه الرقمي، وحتى مزاجه اللحظي، إذ يتوقع الذكاء الاصطناعي الأخبار التي قد تهمك، ويقدمها لك بترتيب يزيد من احتمالية تفاعلك معها، مما يفتح الجدل حول قضية جديدة وتساؤل كبير هو: هل هذا ذكاء أم تلاعب؟

إنه تساؤل أخلاقي ما زال مطروحًا بقوة، لكن إجابته لن تغيّر في الواقع شيئًا.

نحن أمام إعلام هجين، تلتقي فيه قدرات البشر بإمكانات الآلة. خوارزميات تكتب وتنشر، وصحفيون يفكرون ويحللون. ومن يملك مهارات التعامل الاحترافي مع الذكاء الاصطناعي، لا يملك فقط الأدوات، وإنما يملك أيضًا السيطرة على السرد، والزمن، والانتباه. وهنا، يجب أن يكون الذكاء البشري حاضرًا أكثر من أي وقت مضى.

الصحفي اليوم ليس مهددًا بالانقراض كما قد يظن البعض، ولن يكون وجبة العشاء الأخيرة على مائدة الذكاء الاصطناعي، لكنه بحاجة إلى تطوير مهاراته في التعامل مع أدوات هذه التقنية، لأن من يجيد استخدام الأدوات باحتراف سيقفز قفزة مهنية هائلة، وسيصبح بلا شك أسرع، وأدق، وأكثر قدرة على تحليل البيانات وصناعة قصص عميقة ومؤثرة وأكثر نجاحًا وانتشارًا.

علينا أن ندرك كإعلاميين ومهتمين أن توظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام هو أكبر منعطف فلسفي وأخلاقي في تاريخ هذه المهنة.. منعطف يعيد تعريف معنى «الخبر»، و«الناشر»، و«المتلقي». إنه فرصة هائلة، وخطر كامن في الوقت ذاته، فهل نحن على استعداد للتعامل مع حقبة زمنية يحركها إعلام لا ينام، ولا يتردد، ولا ينسى؟ أم أننا سنكتشف – متأخرين – أننا وصلنا إلى الحفل بعد انصراف المدعوين لحفل آخر؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد