أسامة يماني
لا شك أن الخطوط السعودية تمثّل شرياناً حيوياً للاقتصاد الوطني، ليس فقط كشركة طيران، بل كرافد أساسي للسياحة والتجارة والاستثمار. لكن النموذج الحالي، الذي يعتمد على زيادة الإيرادات من خلال الغرامات ورفع أسعار التذاكر دون تحسين الخدمة المقدمة، يهدّد مكانتها التنافسية على المدى الطويل. ففي الوقت الذي تتسارع فيه شركات الطيران العالمية نحو تحسين تجربة المسافر وتعزيز الابتكار، تظل الخطوط السعودية متأخرة في مؤشرات الجودة والكفاءة، مما ينعكس سلباً على سمعة المملكة كوجهة سياحية واستثمارية.
المتابع للخطوط السعودية يظهر له أنها تسعى لزيادة الدخل عن طريق الغرامات وتعديل الحجوزات التي ترتّب على الراكب مبالغ باهظة غير مبررة، أو زيادة الدخل من خلال رفع قيمة التذاكر أو من خلال فرق الوزن. أصحاب الكروت الذهبية لا تنقذهم كروتهم أو يستثنون. كأن الخطوط السعودية نسيت مفهوم الخدمة. المشكلة تكمن في مفهوم الربح والدخل وما تضيفه «السعودية» من دخل للاقتصاد السعودي والتنمية الحقيقية. الخطوط السعودية ممكن تساهم 30% من دخل مدن كالعلا والمدينة وغيرها، دخل يضيف للاقتصاد مداخيل متنوعة مستدامة.
وزارة النقل تكاد تكتفي بأن الخطوط السعودية تحقق ربحاً من خلال ما تفرضه من رسوم ومن أسعار لضعف المنافسة الحقيقية. خدمات المطارات ما زالت ضعيفة ولا تقدّم فرصاً استثمارية للصناديق السيادية أو للمستثمرين الجادين من بنوك وشركات عالمية ومحلية. الخطوط السعودية أمام خيارين: إما أن تستمر في سياسة زيادة الأرباح عبر رسوم غير مبررة على الركاب، مما قد يعطيها مكاسب قصيرة الأجل لكنه يضعف مكانتها التنافسية، أو أن تتحوّل إلى نموذج أكثر استدامة يعتمد على تحسين الخدمة وجذب الاستثمارات طويلة المدى. الرؤية 2030 تتيح فرصاً هائلة لتحقيق ذلك، لكن التنفيذ يتطلب إرادة إصلاحية حقيقية.
تشير الدراسات إلى أن قطاع النقل الجوي يمكن أن يكون محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي إذا ما أُحسن استغلاله. فمثلاً، لو تم التركيز على تحسين البنية التحتية للمطارات وتعزيز الربط بين وسائل النقل المختلفة، لزادت نسبة المساهمين في الاقتصاد من السياح وروّاد الأعمال. كما أن تحسين الخدمات اللوجستية وتبسيط إجراءات السفر يمكن أن يجذب استثمارات ضخمة من الصناديق السيادية والشركات العالمية، خاصة في ظل رؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل.
إن ما يواجهه القطاع اليوم من تحديات جسيمة تتطلب جهوداً استثنائية من وزارة النقل في إطار رؤية 2030، أبرزها الازدحام وعدم كفاءة البنية التحتية وضعف الربط بين وسائل النقل المختلفة. وتتمثل أبرز نقاط الضعف في تراجع تنافسية الخدمة مع سياسات تعديل حجوزات معقدة ومرتفعة التكلفة، وتدني جودة الخدمات مقارنة بالمنافسين، وضعف الابتكار في تجربة المسافر. كما تعاني الشركة من قضايا الموارد البشرية كتراجع الولاء الوظيفي وانخفاض الرضا الوظيفي، والتحديات الإدارية الناتجة عن البيروقراطية وبطء اتخاذ القرارات، إضافة إلى ضعف الأداء التسويقي مع غياب الحملات المؤثرة وعدم الاستفادة الكافية من الفرص السياحية.
الرؤية فتحت آفاقاً كبيرة غير مستغلة على كافة الأصعدة. النقل يمكن أن يرفع دخل المملكة إلى 30% ويوفر فرصاً استثمارية حقيقية. ليس المطلوب أن مداخيل القطاعات تحقق أرباحا على حساب الفرص الاستثمارية ونوعية الخدمة والكفاءة والاهتمام بالراكب والتجربة المتميزة والفريدة. إحدى أكبر العقبات التي تواجه الخطوط السعودية هي البيروقراطية وبطء اتخاذ القرار، مما يعيق التطوير والابتكار. فبينما تتبنى شركات طيران عالمية مثل «سنغافورة إيرلاينز»، و«الإمارات» أحدث التقنيات لتحسين تجربة المسافر، تظل الخطوط السعودية متأخرة في مجال التحول الرقمي وخدمات الركاب. كما أن مشاكل الموارد البشرية، مثل انخفاض الرضا الوظيفي وتراجع الولاء التنظيمي، تؤثر سلباً على جودة الخدمة المقدمة.
الحل يكمن في إعادة هيكلة الإدارة وتقليل الروتين، مع تبني سياسات واضحة لتحفيز الموظفين وتعزيز ثقافة الابتكار. كما أن الاستثمار في التسويق الذكي، عبر حملات تستهدف السياح والمستثمرين، يمكن أن يعزز صورة السعودية كوجهة جاذبة. ففي الوقت الحالي، تغيب الإستراتيجيات التسويقية الفعالة، مما يفوت فرصاً كبيرة في ظل النمو السياحي الذي تشهده المملكة.