: آخر تحديث

محمد الشُحري ومروان الحُجري

1
1
1

حسين الراوي

في نهاية الأسبوع الفائت سافرت لمدة ثلاثة أيام إلى العاصمة العُمانية مسقط، التي لم أزرها منذ المرة الأولى التي قمت بها في العام 2014.

أحب رحلات السفر تلك التي تأتي بقرار سريع دون سابق نيّة وتخطيط، لأن دافعها يأتي دائماً مجنوناً ولذيذاً، وعادة ما يكون ذلك النوع من رحلات السفر ممتلئ بالمتعة والسعادة، ولا يُتقن تلك الرحلات إلّا من اعتاد على السفر الكثير وتكوّنت لديه خبرة رائعة في تفاصيل الحجوزات ومواسم السفر.

كنت في المقهى عندما وصلتني في التاسعة صباحاً رسالة على (الوتساب) من الصديق المحترم الروائي العُماني محمد الشُحري، وكانت دعوة عامة لحضور حفل توقيع روايته الجديدة (اسمه الأسمر)، في معرض مسقط الدولي للكتاب.

والشُحري، كاتب جيد وروائي عميق وذو مزاج يشبه مزاج نهر الغارون، الذي يمر بمنتصف مدينة تولوز الفرنسية، التي أقمت فيها 26 يوماً، حلاوتهما مازالت خالدة في ذاكرتي. وتكمن روعة نهر الغارون في موقعه المهم المطل على المدينة الفاتنة، ولونه الساحر وهدوئه الأنيق، وضفافه الخضراء المدهشة، ومروره بالعديد من الجسور التاريخية والجسور الحديثة والعديد من الأقواس الفخمة، ولا أنسى أيضاً تلك المقاهي العظيمة التي كانت تطل على نهر الغارون.

بعدما وصلتني رسالة الصديق محمد، أرسلت له أسأله عن اسم المكان الذي تقام فيه فعاليات معرض الكتاب في مسقط في دورته الـ 29؟ فأجابني بأنها تقام في مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض في منطقة العرفان بمسقط. وعلى الفور قمت بعمل بحث وتحرٍّ وتقصٍّ عبر برنامج Google maps وBooking، تبيّن لي أن فندق ماريوت مسقط هو الأقرب من معرض مسقط الدولي للكتاب حيث لا يبعد عنه إلا قليلاً من الأمتار. حينها قمت بحجز أقرب رحلة جوّية إلى مسقط ثم بعدها قمت بحجز الإقامة في ماريوت مسقط. بعد ذلك أرسلت صورة تذكرة الطيران لمحمد الشُحري، ففرح بذلك فرحاً واضحاً وأخذ يرحب بي بحفاوة الصديق الظفاري الأصيل، وهو شخص كريم أخلاق وكريم قلب وكريم يد.

دخلت معرض مسقط الدولي للكتاب للمرة الأولى في صباح يوم السبت 26 أبريل، ولقد شاهدت ولامست اهتمام حكومة السلطنة في إيجاد معرض دولي خاص بالكتاب بشكل مُشرّف وراقٍ، يستحق أن يُقرن اسمه باسم سلطنة عُمان العظيمة، وهذا يدل دلالة كبيرة على إيمان الحكومة العمانية بأهمية الكِتاب وضرورة نشر العِلم في مجتمعاتها وتشجيعها الصريح على دعم أُسس الثقافة والحركة الأدبية في عموم مناطق السلطنة، كيف لا؟ والسلطنة منذ 29 عاماً وهي تحرص على إقامة معرض مسقط الدولي للكتاب، حيث كانت بدايته في عام 1992، وفي كل عام يكون معرض مسقط الدولي للكتاب أجمل من المعرض الذي سبقه من حيث التنظيم وفتح باب المشاركات للكثير من المكتبات ودور النشر العربية والعالمية (وفق مواكبتي عبر القراءات عن فعاليات المعرض السنوية)، حتى بلغ عدد المشاركات في هذا الموسم 2025 إلى 674 دار نشر من 35 دولة مختلفة، وبوجود 681041 كِتاباً يُباع في المعرض. ومن خلال أكثر من جولة في داخل المعرض التقيت بالعديد من الأصدقاء والزملاء والزميلات وبعض المسؤولين في المعرض، ولقد حضرت بعض الوقت لعدد من تلك اللقاءات الثقافية الحوارية التي كانت تقام في أروقة المعرض.

في إحدى ليالي معرض مسقط الدولي للكتاب التقيت فجأة بالأستاذ مروان الحُجري، الخبير في شؤون القِلاع والحصون والتاريخ العُماني، ولم يسبق أن التقيته وجهاً لوجه من ذي قبل أبداً، فقط كانت علاقتي به من خلال بعض الرسائل القليلة عبر (الفيسبوك).

عند خروجي من إحدى بوابات صالة المعرض نحو الخارج قبل موعد إغلاق المعرض بربع الساعة تقريباً، استوقفني رجل، عندما رآني احتضنني سريعاً وهو يقول: أستاذ حسين! سبحان الله، كنت أمشط مساحات المعرض بحثاً عنك! فلما دققت في ملامحه جيداً واسترجعت ذاكرتي أوصلتني لصورة ذلك الرجل على الفيسبوك، فقلت له: هل أنت الأستاذ مروان؟ فقال: نعم، وهم يبتسم. وبعد أن تحدثنا قليلاً اتفقنا على الخروج معاً من المعرض، وأصبحت من بعد رعاية الله تعالى في معية ورعاية أبي عبدالرحمن الحُجري، الأستاذ مروان، انطلق بي نحو المطاعم، وبعد أن تناولنا العشاء، أخذني نحو مدينة مطرح وإلى مسقط القديمة وإلى كهف في جبل تم سد واجهته بالحجر والأسمنت لأنه بحسب الرواية الشعبية أنه كان هناك جني يسكن الكهف، يخرج يومياً في الليل يقتل الناس الذين يراهم بالقرب منه! إلى أن اجتمع على الجني مجموعة من رجال الدين وأخذوا يحاصرونه بقراءة القرآن في داخل الكهف، ثم حبسوه في داخله وسدوا عليه الكهف بالحجر والأسمنت منذ عشرات السنين.

ولقد اصطحبني مروان الحُجري، نحو العديد من الشطآن والقصور والمتاحف والحصون والقلاع التاريخية وبعض الأماكن في مسقط التي شهدت على بطولات العمانيين ضد البرتغاليين المستعمرين وغيرهم. ورغم أن جولتنا كانت سريعة وخاطفة ومزدحمة جداً إلا أن الحُجري، كان مُخلصاً وفياً وراقياً في إيصال المعلومات التاريخية لي في جولتنا تلك، ولقد تمنيت بشدة لو أن جولتنا كانت نهاراً، لكن للأسف لم يكن لديّ المزيد من الوقت للبقاء في مسقط، حيث غادرت في عصر اليوم التالي إلى بلدي الكويت، وفي الساعة 2 ليلاً و40 دقيقة أوصلني الأستاذ مروان للفندق وأنا في نعاس شديد.

شكراً عُمان، شكراً للقائمين على معرض مسقط للكتاب، شكراً محمد الشُحري، شكراً مروان الحُجري.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد