محمد ناصر العطوان
كلما شاهدت أو قرأت شيئاً للمدربين المعتمدين في «البركة المعدلة وراثيّاً»، تذكرت قصة خالد بن صفوان، في الحمّام العام.
حيث إنه في أحد أيام القرن الثاني الهجري، دخل خالد بن صفوان، الحمّام العام، وكانت الحمّامات خارج المنازل للنظافة الشخصية وقتها، وبينما خالد بن صفوان، واقف في الطابور فإذا برجل معه ابنه، وقد عرف الرجل أن الواقف بجواره هو العالم النحوي خالد بن صفوان، فأراد هذا الرجل أن يستعرض مهاراته اللغوية وعلمه أمام خالد، فصاح في ابنه قائلاً «يا بني ابْدَأْ بِيَداك وَرِجْلاك!» (أي: ابدأ بغسلها!). فالتفت إلى خالد بن صفوان، وقال له بثقة وعلم وتفاخر «يا أبا صفوان هذا كلامٌ قد ذهب أهله!»، فنظر له خالد، وقال «بل هذا كلامٌ لم يخلق الله له أهلاً قط!».
ومما لا يشك فيه عاقلان ولا يتناطح فيه كبشان، أن السوشال ميديا اليوم مثل الحمّامات العامة، فيها قليلٌ من خالد بن صفوان، وكثير من «ابدأ بيداك ورجلاك»، ومنهم على سبيل المثال فِرق من «مدربي التنمية البشرية المعدلة وراثياً»، الذين حوّلوا مصطلحات كنَسيّة وغربية إلى «إسلامية فاخرة»، كمن يغسل دولارات ورقية ويصيرها دنانير ذهبية .
البركة والتوفيق والستر والحمد والشكر والذكر كلها مصطلحات إسلامية أصيلة تتعلق بالعقيدة والسلوك البشري اليومي، ولا يوجد في اللغة ما يمكن أن يسد نقصها، أو يحل مكانها أو حتى يحدد سلوكها، فلماذا تحولت «البركة» إلى «الازدهار»؟ ولماذا تحول «الذكر» إلى ورشة تأمل مع شموع ومعطر جو «لافندر»؟ ولماذا تحول «التوفيق» إلى طاقة كونية؟ وكيف تحولت «سنن الله في خلقه» إلى قوانين الكون؟!
«وَهْمُ البركة الاستهلاكية» هو ما سيصادفه خالد بن صفوان، في الحمامات العامة اليوم، وليس الأخطاء النحوية، ولو سمع خالد أحد هؤلاء المدربين يقول «ادفع 999 دولاراً لتجذب البركة بواسطة قانون الجذب الكوني!»، لردّ عليه: «هذا كلامٌ لم يخلق الله له عقولاً وقلوباً تؤمن به!». فالرجل الذي سخر من اللفظ الركيك، كان ليسخر اليوم من «التدريب الإيماني المُعلّب» والشهادات المعتمدة في جلب التوفيق على الطريقة الكنسية، والذي يحول العبادات إلى منتجات، واليقين إلى «باور بوينتات» وبوستات في الإنستغرام!
القضية ليست في تحويل «رحمه الله وغفر له» إلى «فليرقد بسلام»، بل في استيراد فلسفات روحية غربية ونشرها «كإسلام صافٍ» في زمن قل فيه العلماء وكثرت فيه الرويبضة، ثم بيعها كحلوى سكرية لمن يبحث عن بديل سريع للصلاة والصبر وجهاد النفس.
عزيزي القارئ! لنترك الحمام العام لأهله، ولنعد نحن بالكلام لأصله فـ«البركة» لا تُجذب ببطاقة ائتمان، بل بتواضع واجتهاد وذكر لله... وبغسل اليدين والرجلين أولاً والسجود لله ثانياً... فاختر يا رعاك الله هل تبدأ «بيداك ورجلاك»... أم هل تبدأ بيديك ورجليك...؟ وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.