: آخر تحديث

بريطانيا أمام امتحان انتخابي صعب

5
5
4

الحسابات السياسية المؤجَّلة، بين الفرقاء والخصوم في بريطانيا، تُصفّى عادةً في الانتخابات، سواء على مستوى المجالس البلدية أو على المستوى القومي. وهي نوعان: حسابات بين الناخبين والساسة، وأخرى بين الساسة أنفسهم والأحزاب. الفرق بين النوعين أن الناخبين الغاضبين باستطاعتهم قلب كل الطاولات على الساسة وأحزابهم، وإعادة وضع خريطة طريق جديدة. أما الساسة فإنهم يجدون في الانتخابات فرصة للتخلص من منافسيهم في الحزب، أو إنزال الهزيمة بخصومهم في الأحزاب الأخرى.

بدأت اليوم الخميس جولة انتخابية أخرى، لاختيار أعضاء في مجالس بلدية. وهي الانتخابات الأولى التي تجرى بعد وصول حزب العمال إلى السلطة. 1600 مقعد في 25 مجلساً بلدياً في إنجلترا ستكون مفتوحة للمنافسة. الانتخابات لا تقتصر على التنافس على مقاعد المجالس البلدية، بل تشمل كذلك انتخاب عمداء للمدن. الاستعدادات بين كل الأحزاب على الساحة تجري على قدم وساق. ومن المتوقع أن نرى كثيراً من الطاولات تُقلَب بفعل الناخبين، واحتمال أن نرى كذلك مفاجآت غير سارة، وربما نشاهد وجوهاً تذوب كقطعة زبدة، وتختفي من المسرح.

قد لا تكون الانتخابات المحلية بمستوى وأهمية الانتخابات النيابية العامة، إلا أنّها في العادة تكون مؤشراً على توجّهات الناخبين: رضاهم أو غضبهم على الحزب الحاكم. وفي العادة، تحمل معها تحذيرات وإنذارات لكثير من القيادات السياسية الحزبية، وكذلك تمنح البعض فرصة للبروز على السطح.

والمتابع لما ينشر في وسائل الإعلام البريطانية من تقارير، ولما يدلي به المعلقون من آراء، لن يصعب عليه/عليها الوصول إلى استنتاج مبدئي، وهو أن حزب الإصلاح بقيادة الشعبوي نايجل فاراج من المحتمل أن يكون نجم الانتخابات المقبلة، ويتمكن أنصاره من الاستحواذ على مجالس عدة. وأن زعيمة المحافظين كيمي بادنوك، حسب التقارير، من المحتمل جداً كذلك أن تكون أبرز الخاسرين، وتشهد ظهور أصوات من حزبها تطالب بإقصائها، وبمنح الفرصة لقيادة جديدة.

الاحتمالات أعلاه ليست من باب التمنّي كما قد يظنُّ البعض، بل بناءً على ما تُظهره استبيانات الرأي العام من قراءات إحصائية لتوجهات الناخبين. أهمها أن أسهم حزب الإصلاح بقيادة نايجل فاراج في ارتفاع ملحوظ، وأن شعبيته بين الناخبين تجاوزت الحزبين العريقين «المحافظين» و«العمال»، وأن الانتخابات المحلية المقبلة ستفتح الطريق أمامه للسيطرة على مجالس محلية عدة، بخاصة في دوائر انتخابية، شمال إنجلترا، تعد تاريخياً عمالية، إلا أنها أبانت سابقاً عن تململها من القيد العمالي، وانحازت إلى حزب المحافظين في انتخابات عام 2019، وكانت وراء وصول بوريس جونسون إلى السلطة وبأغلبية برلمانية ملحوظة. إلا أنها عادت إلى «العمال» في الانتخابات العامة الماضية.

ويكثر الحديث في وسائل الإعلام البريطانية، بخاصة في الصحف والقنوات التلفزيونية المؤيدة للمحافظين، عن انقسام واضح بين المحافظين في الموقف من حزب الإصلاح وزعيمه نايجل فاراج؛ إذ يفضّل أنصار التيار اليميني المتشدد عقد قيادة الحزب ائتلافاً انتخابياً مع حزب الإصلاح، بهدف إنزال الهزيمة بحزب العمال. ويفضل المتشددون في التيار نفسه العمل على إقناع فاراج بالانضمام إلى المحافظين، بهدف قيادتهم في الانتخابات النيابية القادمة. في حين أن آخرين يرفضون تلك الدعوة، بحجة أن ما يدعو إليه فاراج لا يمثل حزب المحافظين وتاريخه العريق، وأن عودته إلى الحزب قد تؤدي بحزب المحافظين إلى النهاية نفسها التي وصل إليها الحزب الجمهوري في أميركا، تحت قياده الرئيس دونالد ترمب.

ارتفاع شعبية حزب الإصلاح، وتصاعد شعبية زعيمه الديماغوجي نايجل فاراج، ظاهرة تستحق الاهتمام، وفي الوقت ذاته تُنذر بمستقبل غير سارٍّ، في ساحة سياسية عريقة عُرفت على مدى عقود زمنية طويلة بنفورها من التطرف، وحرصها على نهج طريق ديمقراطي ليبرالي، تلتقي تحت مظلته كل ألوان الطيف السياسي.

هذه الأيام من شهر مايو (آيار) تكتسب أهمية في سياق تاريخي. والخشية من أن تؤدي إلى تحريك المؤشر جهة اليمين المتشدد وترجّح كفته في الميزان، وتُؤدي إلى ظهور وجوه وأسماء كانت على مدى عقود طويلة غير مقبولة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد