: آخر تحديث

موعد قريب لوضع الحد

4
6
4

بعد 654 يوماً من عدوان «إسرائيل نتنياهو» تحدُث صحوة أوروبية مهمة نسبياً إزاء محنة غزة، تمثّلت في بيان مشترك، قادت السعي له وشاركت فيه، إلى جانب بريطانيا، 24 دولة أوروبية، يُندد متأخراً سنتين ﺑ«التوزيع غير المنتظِم للمساعدات»، مشيراً إلى أن ثمانمائة قُتلوا أثناء سعيهم إلى الحصول على المساعدات، «وبلغت معاناة المدنيين في غزة مستويات غير مسبوقة». ويشدد الموقِّعون على بيان اﻟ25 دولة أوروبية على «معارضة التهجير الدائم، الذي هو انتهاك للقانون الإنساني الدولي، وكذلك معارضة أي خطوات للتغيير الجغرافي أو الديموغرافي...».

بيان في منتهى المراعاة والدبلوماسية، والإحساس في الوقت نفسه بالتقصير إزاء الذي ترتكبه «إسرائيل نتنياهو» في غزة. وبدل أن يكون هنالك نوع من التبصر الإسرائيلي، والأخذ في الاعتبار أن البيان، متأخر الإصدار، وبما حواه، إنما جرى التحادث حوله بين الدول التي، وهنا الدافع إلى إصداره، شهدت وما زالت مظاهرات تتزايد أعداداً مظاهرة تلو أُخرى، الدافع إلى القيام بها هو هذه المشاهد المرعبة التي تبثها الفضائيات عما يجري في غزة، فإن التدمير تواصل كما التجويع، كما التهجير، وأكثر المشاهد إيلاماً عجز المستشفيات عن تقديم العلاج والدواء، ومشهد لف مئات الجثامين بالأغطية، يلي ذلك مشهد الجموع المتكوِّمة من كبار وصغار ونساء يحملون الأواني البلاستيكية على أمل الحصول على بعض الطعام الذي هو عموماً طحين مع الماء أو حبوب مع الماء؛ ولذا فمن الطبيعي أن تحدُث المشاهد التي بثتها الفضائيات لأطفال وفتية وفتيات باتوا شبه هياكل عظمية من ندرة الطعام والدواء. وكذلك وفاة عشرات الأطفال الذين كانت أمهاتهم ترضعهم قليل الحليب مع كثير الماء.

مِن هنا، فإن مهمة الدول التي أصدرت بيانها، تحت تأثير صحوة ضميرية مقرونة باحترام عشرات الألوف الذين تظاهروا في عواصم ومدن أوروبية، تفعيل صحوتها هذه كي لا يبدو الموقف الذي أصدرتْه هو الحد الأقصى مما يمكن تسجيله، على أمل وضْع نهاية للإبادة والتجويع والتدمير. ولدى هذه الدول اﻟ25، كما لدى دول عربية وإسلامية، الكثير من أوراق التأثير.

ثم إن أمر العدوان الإسرائيلي لا يقتصر على غزة، وإنما على المؤسسات الإسلامية والمسيحية، وبالذات المسجد الأقصى، ولنا في الذي قاله مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد أحمد حسين ما يوجب اتخاذ وقفة؛ حيث يقول «إن تحديات خطيرة تمس المقدسات، ولا تقتصر على الأقصى فقط، بل تطول أيضاً الكنائس والمقدسات المسيحية، ما يُشكِّل خطراً كبيراً على الهوية الدينية والوطنية للقدس وفلسطين...».

في نهاية المطاف تبقى المحكمة الجنائية الدولية هي المرجعية التي تحسم بالقانون أمر هذا الطغيان العدواني الإسرائيلي، إنما بعد رفْع قبضة الرئيس ترمب عن هذه المحكمة ممالأة لإسرائيل، مع أن من شأن ترْك المحكمة تمارس صلاحياتها إتاحة المجال أمام وضْع حد على أمل نهاية لهذا العبث البنياميني في بعض مناطق الأمة. وهذا كان مأمولاً حدوثه لو احترمت إجراءات المحكمة الدولية، أو في الحد الأدنى لم يمارس الضغط على قوانين تلك المحكمة بغرض استرضاء إسرائيل.

في ضوء البعض القليل الذي أوردناه من الكثير الذي ما زالت تمارسه إسرائيل نتنياهو وأكثره استهانة بالمجتمع الدولي أن أكثرية البرلمان الإسرائيلي صوَّتت على رفض إقامة دولة فلسطينية... هذا إلى جانب ما سبق اقترافه من أفعال استفزازية في حق المسجد الأقصى، والإكثار من إقامة مستوطنات تطوق المناطق التابعة للسُلطة الفلسطينية ومناطق خارج نطاق السُلطة يعيش فيها فلسطينيون. وهنا يجب التذكير بأن هنالك قرارات دولية مصدَّقاً عليها تدحض هذه الاقترافات جملة وتفصيلاً. كما أن ما يتعلق ﺑ«الدولة الفلسطينية» أمر متفق عليه من حيث المبدأ دولياً، بل حتى هنالك دول أوروبية وأميركية لاتينية وأفريقية وآسيوية حسمت إلى حد ما أمر الاعتراف بالدولة، فضلاً عن أن هنالك عشرات التصريحات لرؤساء أميركيين وأوروبيين ترى، وإن بمفردات خجولة في تصريحات بعض هؤلاء الرؤساء، أنه لا حل إلاَّ ﺑ«دولة فلسطينية» يحسم إنشاؤها ظاهرة ملامح الدولة المتمثلة في «السُّلطة الوطنية الفلسطينية». وبالحسم الدولي الشامل ﻟ«الدولة الفلسطينية» لا تعود الورقة الثورية مبررة، ويغادر الشعب الفلسطيني ظُلْم ثلاثة أرباع قرن من استلاب الحق الطبيعي، كما عندها وداعاً للسلاح.

هل ثمة بعض الأمل في الدورة المقبلة للجمعية العمومية للأمم المتحدة؟ والباعث على التفاؤل بالخير ربما يوجد أن الرئيس الفرنسي ماكرون أعلن الخميس 24 يوليو (تموز) 2025 في رسالة إلى الرئيس محمود عباس أن فرنسا ستعترف رسمياً بدولة فلسطينية خلال اجتماعات الجمعية... وبذلك يوضع المؤجَّل خطوة خطوات على طريق الاستحقاق! لعل وعسى.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد