حين نمضي بالمقارنةِ بين المعلومات التي قدَّمها محمود الطناحي عن «لجنة الشباب المسلم» في كتابه «مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي...» الصادر عام 1984، وبين المعلومات التي قدمها عن اللجنة جمال الدين عطية في تعقيبه الاستدراكي على ورقة عبد الوهاب المسيري «معالم الخطاب الإسلامي الجديد» المنشور في «مجلة المسلم المعاصر» عام 1998 – مع أخذي بعين الاعتبار أنَّ معلومات الطناحي عن اللجنة زوّده بها محمد رشاد سالم، كما كشفت عن ذلك في المقال السابق – نجد ما يلي:
الطناحي سمّى أعضاء «لجنة الشباب المسلم»، وعرفنا من خلال تسميته لهم أن عددهم في الأساس خمسة (محمد رشاد سالم، عبد الحليم محمد أحمد أبو شقة، أحمد البساطي، عبد النافع السباعي، عبد العزيز السيسي)، وانضم إليهم اثنان، هما: أحمد كمال أبو المجد، وجمال الدين عطية.
جملة الطناحي: «وأدار مكتبتها إسماعيل عبيد» جملة مربكة؛ فهل هو من أعضائها الأساسيين أو أنه فقط كان يدير مكتبة اللجنة؟
أعتقد أن إسماعيل عبيد كان مع الخمسة الأوائل، لكن الطناحي فضّل إرجاء ذكر اسمه إلى حين أن يذكر المهمة التي أناطها به بقية أعضاء اللجنة الأوائل، وهي إدارة مكتبة اللجنة؛ كي لا يتكرر ذكر اسمه مرتين في أسطر معدودة.
هؤلاء جميعاً هم الذين عناهم جمال الدين عطية بقوله في تعقيبه الاستدراكي: «وقد بدأ بعضهم مشروعاً للنشر والتوزيع باسم (مكتبة لجنة الشباب المسلم)».
في بيانات منشورات «لجنة الشباب المسلم» نجد حيناً اسم «لجنة الشباب المسلم»، وحيناً اسم «مكتبة لجنة الشباب المسلم».
قبل أن تبدأ اللجنة بالنشر والتوزيع عام 1951، كانت مكتبتها قائمة، ومن المحتمل أن الذي كان يديرها منذ ذلك الوقت إسماعيل عبيد.
مدحت أبو الفضل في كتابه «قصتي مع الجماعة وقصتهم مع العسكر»، ذكر أن المكتبة «كان يتولى إدارتها الأخ المرحوم أسعد السيد، وكان من أقطاب النظام الخاص، وكان مجال نشاطه فيه هو شعبة المخابرات، وهو شخصية فريدة».
مدحت أبو الفضل قال هذا وهو يروي ذكرياته عن انشقاق الإخوان المسلمين في أثناء اعتقالهم عام 1949، والذي استمر بعد الإفراج عنهم، حول «النظام الخاص» بين من يرى حلّه وبين من يرى استمراره، يرويها وكان – كما قال – حين عاصره صغير العمر. فالأقرب إلى الصحة أنه كان يعمل بالمكتبة ولم يكن يتولى إدارتها؛ لأن المهام الموكلة له في جماعة الإخوان المسلمين، وخاصة في شعبة استخباراتها، لا تتيح له التفرغ لإدارة المكتبة.
الروائي الإسلامي أو الإخواني نجيب الكيلاني في مذكراته يزيدنا معرفة بهذا الرجل.
الكيلاني في مذكراته يسميه باسمه الثلاثي: أسعد سيد أحمد. وذكر فيها أنه صديقه. ومما رواه عنه في مذكراته نعلم أن الصداقة بينهما امتدت إلى صداقة بين زوجتَيهما. يقول عنه: «وكان أخي أسعد سيد أحمد من الكوادر النشطة في صفوف الإخوان منذ سنوات طويلة، ومعروف لدى الجميع، مقرب من القيادة، وكان يتولى مسؤوليات ضخمة، ومع ذلك فقد خرج من المعتقل بعد عامين من اعتقاله في عام 1954، بعد أن صمد في التحقيقات. وكان ذكياً وذا حجة، فأفلت منهم، وعاد لعمله في صناعة الكتب، لكنهم كانوا يعودون لاعتقاله فترات قصيرة، شهرين أو ثلاثة مثلاً، إذا حامت حوله شبهة، ثم يطلقون سراحه مرة أخرى. ومن أبرع عمليات أسعد سيد أحمد، أنه انتسب بحزب مصر الفتاة الذي يتزعمه آنذاك أحمد حسين...».
نجيب الكيلاني الذي اعتُقل عام 1955، وكان لا يزال طالباً في السنة الرابعة في كلية الطب، وأُفرج عنه في عام 1958، مع وضعه تحت المراقبة، كان بدأ كتابة الروايات ونشرها في كتب وهو ما يزال في السجن.
وقد تحدث عن صلاته بدور النشر التي نشرت له في أثناء سجنه وبعد سجنه. ومما قاله في هذا الحديث: «أريد ناشراً لكتبي الجديدة ممن تتحقق فيهم صفة الإسلامية. فهم أحرص على حقوقي، وأسرع في تنفيذ رغباتي... ولم أتوجه إلى دار إسلامية إلا في وقت متأخر نوعاً ما، فنشرت في دار العروبة (التراث حالياً)، وصاحبها إسماعيل عبيد، ومكتبة وهبة، وصاحبها الحاج وهبة، ثم نشرت في دار النور (ليبيا) كما سبق وأشرت».
هذا الحديث كان عن سنوات المنتصف الأول من الستينات الميلادية.
ويظهر أن الذي أرشده إلى «مكتبة دار العروبة» على أنها مكتبة إسلامية خالصة، هو صديقه أسعد سيد أحمد، الذي ذكر هو أنه كان يعمل بها، وأن الذي اختاره للعمل بها إسماعيل عبيد الذي وهِم أنه مالكها الوحيد.
اختيار إسماعيل عبيد لأسعد سيد أحمد للعمل في «مكتبة دار العروبة» كان بناءً على تجربة الأخير في العمل معه حين كان مديراً لـ«مكتبة الشباب المسلم»، ولمآرب إخوانية سرية.
نجيب الكيلاني سُجن مع صديقه أسعد سيد أحمد في «قضية 1965 الإخوانية». وكان من ضمن الذين سُجنوا في هذه القضية محمود محمد شاكر ومحمد رشاد سالم وإسماعيل عبيد، والرابط بين صديقه وبين هؤلاء الثلاثة هو «مكتبة دار العروبة» التي وُضعت تحت الحراسة بسبب هذه القضية.
نجيب الكيلاني في سجنته هذه التقى محمود محمد شاكر، وبقي – كما قال – إلى جواره طول فترة اعتقاله في «مزرعة طرة»، وربطته به علاقة وطيدة مفيدة، إلا أنه لم يعرف أنه الشريك الثاني في ملكية «مكتبة دار العروبة»، وأن شريكهما الثالث هو محمد رشاد سالم.
الذي أدى به إلى الوهم بأن إسماعيل عبيد هو مالكها الوحيد، أن إسماعيل عبيد كان هو الذي يتولى إدارتها. فمحمد رشاد سالم منشغل بالتدريس في الجامعة، ومحمود محمد شاكر منذ مطلع شبابه كان ينفر من العمل المكتبي، ومن العسير عليه الالتزام بأدائه، إضافة إلى أنه شرس الطباع لا يصلح أن يكون في واجهة عمل تجاري.
وما يفسر لنا ذلك أنه بعد الإفراج عن ملّاكها الثلاثة: محمود محمد شاكر وإسماعيل عبيد ومحمد رشاد سالم، أن إسماعيل عبيد اشترى منهما حصتهما في ملكيتها واستقلّ بملكيتها وحده؛ لأنه هو من بينهما كان المتفرغ للعمل في إدارة شؤونها، وأنها هي العمل الوحيد الذي كان يكسب منه مورده المالي قبل سجنه.
استفدنا من تعقيب جمال الدين عطية الاستدراكي أن اسم «مكتبة لجنة الشباب المسلم» ظهر مع فئة من الإخوان المسلمين كانت معنية بالنشر والتوزيع، وأن هذا الاسم شاع إطلاقه على المجموعة بأكملها.
هذه الفئة تنتمي إلى مجموعة كبرى. وهذه المجموعة الكبرى بدأت – كما أخبرنا – بتسعة من شبان الإخوان المسلمين معنيين بالجانب التربوي والجانب العلمي، اختاروا سبعين شاباً من صفوة شباب الإخوان المسلمين للعمل معهم في تنفيذ خطة «المشروع» المتعلق بسد الفراغ عند الإخوان المسلمين في الجانب التربوي والجانب العلمي؛ إذ إن نشاط الإخوان المسلمين – كما يُستنتج من كلامه – موجّه إلى السياسة والعمل السياسي على حساب هذين الجانبين.
إن كانت المجموعة عدد أشخاصها في عام 1947 تسعة وسبعون شخصاً، فيا ترى كم بلغ عدد أشخاصها عام 1950 مع تأسيس «مكتبة الشباب المسلم»؟
الشيخ يوسف القرضاوي بعد وفاة عبد الحليم أبو شقة في 18 سبتمبر (أيلول) 1995، رثاه. ومما قاله في هذا الرثاء عن «لجنة الشباب المسلم» التي كان أبو شقة من أعضائها: «والعجب أن جماعة الشباب المسلم كانوا أساساً من النظام الخاص، وكانوا يسمونهم (جماعة الأسس)؛ أي الدعائم والركائز، ولكن الممارسة والتجربة علمتهم أن هناك ما ينقصهم، وهو التربية العقلية والعلمية المركزة».
نشأتهم الإخوانية الأولى في «التنظيم السري» أو «النظام الخاص» أخفاها محمد رشاد سالم مزوّد الطناحي بالمعلومات عن اللجنة، وأخفاها جمال الدين عطية في السطور التي تناول فيها اللجنة في تعقيبه الاستدراكي.
على ضوء المعلومة التي أعلنها القرضاوي في رثائه لعبد الحليم أبو شقة، نفهم قول الطناحي المبهم والغامض في تعريفه بـ«مكتبة دار العروبة»: «وكانت بدايتها (لجنة الشباب المسلم) التي تكونت من بعض شباب الإخوان المسلمين، الذين كانوا يؤمنون بضرورة الاهتمام بالجانب الفكري والتربوي في الإسلام، وعدم التركيز على الجانب العسكري، مع إيمانهم العميق بوجوب الجهاد».
فهذا الكلام في التعريف بأعضاء اللجنة لو كان مربوطاً بالنص على أنهم كانوا أعضاء في تنظيم الإخوان المسلمين السري، وأنهم كانوا من ضمن الفريق الإخواني الذي طالب بحل «النظام الخاص» أو «التنظيم السري»؛ لكان التعريف بهم واضحاً وجلياً.
إن هذا الربط متحقق – إلى حدٍّ ما – في تعريف القرضاوي بهم: «لقد عرفت عبد الحليم قديماً على أنه من (لجنة الشباب المسلم) في الإخوان، وهي اللجنة التي أخذت على عاتقها الاهتمام بالجانب الفكري والثقافي والتربوي في مقابل الجماعة التي جعلت جلّ اهتمامها بالجانب الجهادي، وهم جماعة (النظام الخاص) الذي أطلقت الحكومة عليه فيما بعد (الجهاز السري)». وللحديث بقية.