: آخر تحديث

ويطوّلوك يا ليل

3
3
2

منذ كتب إحسان عبد القدوس روايته «لا أنام» أواسط الخمسينات الماضية، والعبارة تتردد على شفاه ملايين السهارى والمغرمين والمبتلين بالأرق وعدادي النجوم. أولئك هم أصدقاء الليل أو خصومه. يقول الفرنسي: «أمضيت ليلة بيضاء». أي أنه لم ينم حتى طلوع الصباح.

وأسباب القلق ومجافاة الرقاد كثيرة. فالعراقيون لا ينامون لأن صيفهم جحيم ويترافق مع انقطاع الكهرباء. والسوريون بسبب رشقات الرصاص والتفجيرات في أنصاف الليالي. والمصريون بسبب الضجيج الذي لا يهدأ ليل نهار. والغزاويون لأن المعدة خاوية والجوع كافر، وهلمجرا... وكلها تفاصيل بعيدة عن رواية عبد القدوس.

لكل ذرائعه. له أن يتقلب في فراشه حتى الفجر وذنبه على جنبه. لا يد تطبطب عليه ولا قلب يواسيه. من أين له بحكومة تسهر لكي يغفو مواطنوها ملء أعينهم ويناموا على حرير؟

نام وزراء فرنسا واستيقظوا ليكتشفوا أن معدل نوم المواطن سبع ساعات في اليوم. تقرمزت وجنات خبراء الصحة وأعلنوا أنها كارثة قومية. المواطن لا يأخذ حقّه من النوم. لقد تقلص نوم الفرنسي ساعة وعشرين دقيقة عما كان عليه قبل خمسين عاماً. يا للهول! مم تشكو الساعات السبع؟ إنها حلوة وكافية للإنسان البالغ الرشيد. لكن الحكومة تملك قلب أم. وهي مهمومة بسلامة أبنائها. فلذّات أكبادها. تتعب إذا تعبوا ولا تتثاءب معهم إذا تثاءبوا.

شمّر وزراء الرئيس ماكرون عن سواعدهم وأعلنوا عن برنامج لتحسين نوم رعاياهم. فمن نتائج قلة الراحة ظهور أعراض جسدية ونفسية تمسّ سلامة القلب والعقل معاً. وهو أمر سيضاعف الضغط على المستشفيات ومصحات العلاج ويزيد من نفقات الضمان الاجتماعي. ميزانية تعاني من أزمة متراكمة ونقص ملياريّ.

سيجتهد كل وزير في تخصصه وضمن حدود صلاحياته لمعالجة هذا القصور. وتضمنت خطة الطريق 25 توصية أساسية. وتوجهت أصابع الاتهام بالدرجة الأولى إلى شاشة الهاتف الذكي. إنه العدو رقم واحد لنومة هانئة متواصلة. وبناء عليه توصي الحكومة بالتوقف عن مشاهدة الشاشات قبل ساعة من موعد الذهاب للفراش. وقبل هذا توفير فراش مريح وغرفة هادئة جيدة التهوية.

سيكون على وزير الإسكان ترميم المساكن الشعبية المخصصة لذوي الدخل المحدود، وتشييد المزيد منها. وتقييد حركة الشباب الذين يلعبون الكرة ويتصايحون في ساعة متأخرة من الليل تحت نوافذ عباد الله الراغبين في النوم. وسيكون على وزيرة الرياضة تحسين المنشآت والنوادي الرياضية لأن من يمارس الرياضة بمعدل ساعتين ونصف الساعة في الأسبوع ينام أفضل من غيره.

بعض التوصيات معقول وأغلبها افتراضيّ. وهي تركز على توعية الفرد بضرورة أخذ حصته المناسبة من راحة الجسد. وهناك دعوة لأصحاب المعامل والمؤسسات بتخصيص عنابر تسمح لهؤلاء بقيلولة سريعة، ربع ساعة، بعد فرصة الغداء. ويخبرك الأطباء بأن القيلولة تفعل الأعاجيب. ويبقى السؤال: هل يمكن للمواطن الصالح أن ينام بقرار من الحكومة؟

أمانة عليك يا ليل طوّل....


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد