: آخر تحديث

في سباق مع الزمن

6
4
5

هيفاء صفوق

* نجد دائما أن التأني والهدوء يأتيان بثمارهما وإن تأخر ذلك، كل شيء يسير في مساره كما هيأه الله عز وجل، يتوهم الإنسان أنه الصانع، ولكنها هي أقدار الله في كل زمان ومكان، لها حكمة عظيمة يدركها البعض في وقتها المناسب، ويجهلها من كان في سباق وركض مع الزمن.

* حالة الصراع والغضب وردود الأفعال غير الموزونة تضيّع على الإنسان خيارات عديدة، ومن أهمها نعمة التفكر والتدبر في الحياة، بعض الإجابات لا تكون حاضرة الآن ربما ندركها بعد يوم أو شهر أو سنة، وهنا تأتي أهمية التأني وضبط النفس الذي يفتح باباً للتفكر والتدبر، وهذا مغزى وجودي عميق في أهمية دور الإنسان في هذه الحياة.

* طبيعة النفس متقلبة لا تسكن لحالة واحدة؛ لذا التأني وملازمة الهدوء قليلا يجعلنا نستوعب الصوت الداخلي فينا لندرك الحقيقي منه أو الوهم الذي تعيشه هذه النفس، الصوت الحقيقي دائما متوازن رحيم خيّر، بينما صوت الوهم متعجرف غضوب يحكم على كل شيء، وكلاهما يحتاجان التأني والهدوء للاستماع ماذا يريدان، مثل حالة الخوف ماذا تريد هل تريد الاطمئنان؟ هل هذا الخوف قديم أو جديد؟ حسن الاستماع له يجعلنا نتفهمه لا ننكره، بل نستوعب هذا الخوف ونعبر عنه وندرك مصدره، وحينما ندرك مصدره ندرك أنه وهم تعلقنا فيه أو اعتدنا عليه لنختبئ خلفه للهروب من ألم أو مواجهة شيء ما، وكذلك حالة الصراع وأصعب الحالات صراع الإنسان مع نفسه لأن هنا يختلط عليه الصوت الداخلي والخارجي أيهما أصح.

* نعم، هناك ثنائية يعيشها الإنسان الشيء ونقيضه، وهذا لندرك معنى الأشياء ومعنى الحياة بكل ما فيها يتعرف الإنسان عليها في اختبار هذه الثنائية كالخير والشر، الحب والخوف ليصل لمعنى عميقا من خلال اختبار هذه الثنائية، فيدرك المعنى من كل شيء كالموت والولادة، والمرض والهزيمة والنجاح والفشل، والحب والكره، فكيف يعرف الإنسان كل ذلك إلا من خلال هذه الثنائية الموجودة فيه ومن هنا تأتي خطورة أن يقع في مصيدة النفس وتقلباتها وأهوائها عندما لا تجد المرسى والميناء القوي الذي تتكئ عليه فيكون الصراع الداخلي حليفها فيتوهم أن هذه هي حقيقة!!.

* من يتعرف على الحكمة ويعيشها في حياته يحول مرارة الألم إلى شيء من التفكر والتدبر لبعد آخر لا يخضع للبرمجيات المعتادة، بل يجد نفسه عاريا تماما أمام نفسه تسبقه نقاط ضعفه قبل قوته في قبولها واحتوائها ويدرك مدى قدرة الله فيه كيف يحول المعاناة إلى شيء يضيء قلبه وعقله بالبصيرة الرحيمة والشعور الروحي الجميل، فتتحول كل تلك الأوجاع لشيء أعمق يجعله حكيما ورحيما فلا يخضع للوهم أو تكبير الأمور أو تضخيم تجربة المعاناة، وفي عز هذا تدركه العناية الإلهية من الرحمة والنور والقوة الحقيقية.

* التفكر والتدبر يفتحان أبوابا عديدة لنفاذ النور، النور الذي يضيء تلك العتمة التي ارتدتها النفس كحال الصراع أو الغضب أو الخوف فيتلاشى كل هذا شيئاً فشيئاً حتى يصبح ذكرى تفيد صاحبها وتفيد كل من يحتاج أن يتجرع هذه الحكمة.

* عندما نتحدث عن شخصيات تيقنت من تلك الحكمة وارتوت بالهدوء والتأني؛ فقد اكتوت نفوسهم بالكثير من مواقف الحياة، وقد سبقت لهم تجربة الركض والتنافس والغضب والخوف والألم حتى أدركوا في وقت لاحق أن كل شيء له رحلة ومرحلة ستنتهي وتبدأ عجلة أخرى أكثر سلاما وجمالا، أدركوا أنه لم تنفعهم حالة الصراع أو الركض لأنها لا تجدي نفعا، أدركوا أن الأكثر سلاما وراحة هو التأني وعدم الاستعجال، وهذا جعلهم يتعرفون على أنفسهم ويدركون الحكمة في كل ما حصل، ففضلوا الآن التريث في كل شيء، لم يعد شيء يخيفهم ولم تعد أهواء النفس تتحكم فيهم، امتلأت قلوبهم وأنفسهم بالسلام والوعي والنضج، أدركوا هذا مبكرا واختاروا هذا الطريق فلم تعد تغريهم حالة الركض، بل أدركوا ماذا تعني الراحة والسلام الداخلي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد