محمد سليمان العنقري
لافت ما قاله بعض محللي الأسواق المالية في تغطيات القنوات الفضائية عن أنه لا يوجد سبب لعدم مواكبة سوق الاسهم السعودية للأسواق الاقليمية والعالمية بالارتفاع، فتقريباً كان الوحيد المتراجع من بين الأسواق الناشئة المهمة، واذا كان ما يقصدونه هو أن الأوضاع الاقتصادية محلياً ودولياً تأخذ منحى لا يضغط على الأسواق عامةً بدليل ارتفاع غالبية الأسوق بالعالم وتسجيلها أرقاماً غير مسبوقة وأن الاقتصاد الوطني يحقق معدلات نمو بالقطاعات غير النفطية بشكل جيد؛ مما عكس حالة من الحيرة لدى شريحة المتعاملين بالسوق وأيضاً بعض المحللين الذين صرحوا بعدم منطقية التراجعات وعدم وجود سبب حقيقي لها وهو أمر مخالف لطبيعة الأسواق إذ إنها لا تتحرك بدون سبب في أي اتجاه..
فالأسواق المالية هي قائد الاقتصاد بمعنى أنها ترتفع أو تنخفض قبل أن تتحقق توجهات الاقتصاد في النمو أو التباطؤ لأن حركة الأموال فيه من قبل المستثمرين تستبق الأثر علي نتائج الشركات وهنا لابد من ذكر عامل قد لا يلتفت له الكثير فباعتبار أن السوق يسبق توجه الاقتصاد وتاثيره على نتائج الشركات فإن أحد أهم أسباب سلوك السوق السعودي الذي يختلف في حركته عن باقي أسواق المنطقة وكذلك العالم هو أن الاقتصاد السعودي منذ عقود أخذ نهجاً خاصاً حيث تبنى توجهاته على « الدورة العكسية» أي يكون زخم النمو القوي عندما يتراجع الاقتصاد العالمي؛ مما يخلق استدامة تنموية ما بين فترة نمو الاقتصاد العالمي يكون الأثر إيجابياً برفع مستوى الاحتياطيات من الفوائض المتوفرة بسبب ارتفاع النفط، ثم يستفاد منها خلال فترة انخفاض معدل نمو الاقتصاد العالمي حتى تكون التنمية مستدامة، وبنسب نمو عالية فهذا النهج من الطبيعي أن ينعكس بدورة السوق المالية التي تسبق معدلات الضخ المالي المرتفعة بالاقتصاد وهو سلوك أصبح راسخ بالسوق، وقد يتغير مستقبلاً بعد أن تتكامل مشاريع الرؤية فحالياً مازال السوق يسير بذات النهج والتوقع بأنه سيحقق «مستويات عالية خلال السنوات الخمس القادمة» نابع من الانتقال لإنجاز المشاريع العملاقة التي بدأت تظهر معالمها وبالتالي ستنتقل لمستويات يزداد الطلب فيها على المنتجات التي تدخل في بنائها إضافة لانطلاق المشاربع الكبرى المتعلقة بالاستحقاقات القادمة مثل معرض اكسبو الرياض 2030 وبطولة كأس أمم أسيا 2027 وكأس العالم 2034 وما يصاحبها من مشاريع سياحية وكذلك تطوير مرافق مهمة تستبق إقامة هذه المناسبات بفترة زمنية مناسبة إضافة لبدء تشغيل المشاريع العملاقة التي قاربت على الانتهاء اضافة لتنشيط قطاعات عديدة كالتطوير العقاري والصناعة والخدمات اللوجستية وغيرها مما يعني أننا سنشهد طلباً عالياً في الاقتصاد مستقبلاً، ولذلك سيبدأ السوق بحساب أثر كل ذلك حالياً وهو ما يدعم توجه المستثمرين لزيادة المراكز وإعادة توزيعها بين القطاعات حسب استفادة كل قطاع من الخطة التنموية إضافة لتوقعات قوية بتراجع؛ فالتجميع او ما يسمى توزيع المراكز سبب رئيسي لما يشهده السوق من تحرك سلبي وهناك دلائل على ذلك، أبرزها تسجيل صافي مشتريات غالباً وعلى المستويات الاسبوعية والشهرية والربعية؛ فقد سجل السوق صافي مشتريات في النصف الأول لهذا العام بحوالي 7،مليار ريال، ومن بين المؤشرات على التجميع عدم التجاوب مع الأخبار الايجابية، سواء الاقتصادية أو نتائج الشركات عموماً التي تحقق معدلات نمو عالية، اضافة لتراجع أسعار أغلب الشركات التي تدرج حديثاً دون سعر الاكتتاب الذي بني عليه سجل الأوامر، اضافة لضعف السيولة وميل أغلب صفقات المضاربة للخسارة؛ فمزاج السوق هو إيجاد حالة من الملل لدى عموم المتداولين والمضاربين تحديداً وزرع الشك بمدى جدوى الاستثمار بالسوق ليسهل التجميع عليهم وبأسعار منخفضة للتحوط ورفع العائد المستقبلي رغم أن مكررات الارباح حالياً جاذبة لأغلب القطاعات، وجل العوامل الاقتصادية إيجابية، اضافة للعديد من المؤشرات والدلالات التي تصاحب مراحل التجميع.
أما وضع أي سبب متغير من قبل البعض، مثل زيادة تداول المستثمرين السعوديين بالأسواق الأمريكية او توجه البعض للودائع فهي حالات لا يمكن اعتبارها مؤثرا استراتيجيا طويل الامد؛ فالتغير فيها وارد ولذلك حسابات المستثمرين الكبار تنصب على التوقعات المستقبلية المتوسطة والبعيدة المدى..
الاسواق المالية لا تتحرك دون سبب، ومن يعتقد عكس ذلك بالتأكيد ليس لديه خبرة كافية ولم يعاصر دورات السوق وما يؤثر فيها، أو لا يجيد الربط بين بعض المؤشرات التي تعطي تصورا حقيقيا لما يدور بالاسواق عند التقاطها وربطها ببعضها وتفسير دلالاتها.