الأسواق بصفة عامة تمُر بجميع الممارسات، منها الممارسات الصادقة وهي الأغلب، ومنها الممارسات الخاطئة أو الشاذة، وهي الأقل، ولكنها تطفو على السطح. مثل ممارسة الغش والتدليس والكذب والتطفيف، وللأسف الممارسات الخاطئة هي التي تظهر على السطح ويحسبها الناس هي السائدة، ولكنها في الواقع لا تتعدى نسباً ضئيلة جداً، وتظهر على السطح لأن المتضررين منها يشهرون بهذه الممارسة، لدرجة أن البعض يحسبها هي الغالبة، وسوق الأسهم مثلها مثل أي سوق تمر بمثل هذه الممارسات، مثل خلق سعر وهمي لسهم معين أو محاولة التضليل بالتلاعب المحاسبي في ميزانية شركة معينة، ومثل هذا التصرف أيضاً يخلق سعراً غير حقيقي للسهم، فإذا تم التلاعب بالميزانية لإظهار أرباح أعلى من الواقع فأنت تخلق سعراً وهمياً مرتفعاً للسهم، يستفيد منه بعض ضعاف النفوس الذين لا يُقدرون عواقب مثل هذا العمل.
ويمكن أيضاً تجنيب بعض الأرباح لفصل معين وعدم إدراجها في الميزانية، ما يُعطي انطباعاً لقارئ ميزانية الشركة، بأن الشركة تمر بظروف غير حسنة، ويخلق سعراً منخفضاً للسهم، فيقوم مسؤولو الشركة بشراء السهم، ثم إدراج الأرباح المُجنبة في الفصل التالي ليرتفع سعر السهم ويستفيد منه مسؤولو الشركة. وهذا عمل غير أخلاقي يتضرر منه المُتعاملون بسهم الشركة، ويُعطي انطباعاً بأن السوق التي يُتداول بها سهم الشركة سوق غير كفؤة.
للأسف بعض مسؤولي الإدارات يقومون بعمل مثل هذا، غير مدركين أن السوق ستكتشف مثل هذا العمل، فتفقد ثقتها بإدارة الشركة، علماً بأن الإدارة هي إحدى عوامل تقييم السهم، فكل ما كانت الإدارة موثوقة وثق الناس بسهم الشركة، أما إذا كانت الإدارة غير موثوقة فإن المُتعاملين يعزفون عن سهم الشركة أو التداول فيه.
وبالتأكيد، فإن للجهات الرقابية دوراً مهماً ورئيسياً في ضبط مثل هذه المخالفات، وهيئة السوق المالية السعودية من واجباتها ضبط مثل هذه المخالفات ومعاقبة مرتكبيها لرفع كفاءة السوق، وهو ما تسعى إليه ويتطلع له متعاملو السوق لتتم تعاملاتهم بمصداقية عالية، لا يحدث فيها خداع أو تضليل.
وهو ما حدث الأسبوع الماضي، حينما أعلنت الهيئة عن تعويض المتضررين في التعامل في سهم شركة وطني للحديد والصلب، حيث أعلنت عن إيداع مبالغ التعويض في صندوق المتضررين بعد ضبط هذه الأضرار إلكترونياً حتى يتسنى تعويض المُتضررين، ومثل هذا الإجراء يرفع كفاءة السوق، ويُعطي ثقة للمتعاملين في السوق بأنها مراقبة بشكل جيد. وما حدث من الشركة يُعد مخالفة صريحة، حيث قامت بالإدلاء بمعلومات مضللة أوهمت المتعاملين، أو بالأحرى أغرتهم بالتعامل في السهم، ما أوقع الضرر عليهم.
الغريب في الأمر أن مسؤولي الشركة لم يدركوا الأضرار التي ستقع عليهم، رغم أنني أتوقع أنهم محترفون ويدركون أن مثل هذا الأمر سينكشف. يبقى السؤال؛ هل مثل هذا الإجراء كافٍ لردع مثل هؤلاء المسؤولين لعدم القيام بتضليل آخر، أم أن الأمر يتطلب إجراءات أكثر صرامة، مثل حرمانهم من إدارة الشركة لمدة معينة، لا تقل عن 5 سنوات، ولا تزيد عن 10 سنوات، حتى إن كانوا يملكون أغلبية الأسهم، بحيث يتم فصل الملكية عن الإدارة؟ إذ لا يكفي تعويض المُتضررين أو فرض غرامة إضافية لصالح هيئة سوق المال، بل إن الأمر يتطلب حرمانهم من إدارة الشركة، هذا من ناحية.
أما من الناحية الأخرى، فهناك أيضاً مخالفات ترتكب من قبل بعض المضاربين لخلق سعر وهمي لسهم معين، يتضرر منه المُتعاملون، وخصوصاً صغارهم، فهل نرى من الهيئة إجراء يردع مثل هؤلاء، ويُعوض المُتضررين عن الأضرار التي تلحق بهم جرّاء المُخالفات التي يقوم بها بعض المُضاربين؟
ثم هناك من يطلقون الإشاعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مثل توقع أرباح عالية لسهم شركة معينة بقصد التأثير على سعره في السوق، وهم غير مُرخصين من قبل هيئة السوق المالية السعودية، فهل نرى إجراء يردع مثل هؤلاء عن التأثير غير الصحيح على سهم شركة معينة لتكون سوقنا في أفضل حالاتها، ومن الطبيعي أنه مهما بلغت الإجراءات من الشدة فإن هناك أناساً يستسيغون مثل هذه المخالفات تحت تأثير الرغبة في الربح المادي غير المشروع، فلذلك نرى الهيئة تطور آلياتها للحدّ من مثل هذه الظواهر التي تسيء للسوق السعودية، هذه السوق التي أصبحت أكبر سوق عربية من حيث الرسملة، وتحتل المرتبة الثامنة عالمياً. ودمتم.