مشهد من الجحيم اليومي
في ظل حصار يشبه العقاب الجماعي، يواجه آلاف الفلسطينيين في غزة "خبز الموت" الإسرائيلي، حيث تتحول أكياس الطحين إلى أكفان، ونقاط التوزيع إلى ساحات إعدام. 400 موقع إغاثة أممي تقلصت إلى أربع نقاط عسكرية مغلقة، تُدار من قبل مؤسسة "غزة الإنسانية" (GHF) المدعومة من إسرائيل وأمريكا. يضطر السكان إلى الاختيار بين مواجهة رصاص الجيش الإسرائيلي أو رؤية بطون أطفالهم خاوية، في سياسة تجويع ممنهجة تُنفذ أمام أعين العالم الذي يتغافل عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"!
§ تحويل المساعدات إلى فخ مميت
1. التدمير المنهجي لشبكة الإغاثة
- اختزلت إسرائيل نظام توزيع المساعدات من 400 موقع تابع للأمم المتحدة إلى 4 نقاط عسكرية مغلقة، تديرها "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) المدعومة إسرائيليًا وأمريكيًا، لضمان موت أسرع. هذه النقاط تقع في مناطق عسكرية خطيرة، وتُسيّج بأسلاك شائكة وتخضع لحراسة مسلحة.
- رفضت الأمم المتحدة التعاون مع هذه الآلية لأنها "تنتهك مبادئ الحياد والاستقلالية... إنها إعدام ممنهج"، وفقًا لمتحدثها فرحان حق. كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن هذه المواقع "غير آمنة بطبيعتها وتقتل الناس".
2. نقاط التوزيع: مسالخ مفتوحة
- تحولت هذه المواقع إلى ساحات قتل: أكثر من 800 فلسطيني قُتلوا وأُصيب 4 000 آخرون عند نقاط التوزيع منذ مايو/أيار 2025، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة. في حادثة واحدة يوم 16 يونيو/حزيران، سُجلت 28 حالة وفاة بين 200 مصاب وصلوا إلى مستشفى ميداني.
- الجيش الإسرائيلي يبرر إطلاق النار بأنه رد على "سلوكيات تهديدية"، وهي تبريرات فضفاضة تكررت مع كل مجزرة، بينما تؤكد منظمة العفو الدولية أن الضحايا كانوا مدنيين عزّل يحاولون انتشال كيس طحين لأطفالهم.
3. حصار مزدوج: إغلاق المعابر وتشويه الحقائق
إسرائيل تتهم الأمم المتحدة بعرقلة المساعدات، لكن الحقائق على الأرض تقول عكس ذلك:
950 شاحنة مساعدات محتجزة عند معابر غزة، تمنع إسرائيل مرورها رغم جاهزيتها.
معبر كرم أبو سالم مغلق أمام معظم الشاحنات، بينما تُعرض صور لشاحنات متوقفة داخل غزة كدليل مزيف على "تقصير الأمم المتحدة".
أحد الأطباء في "أطباء بلا حدود" بث مباشرة قائلاً: "الجوع يُذيب أعضاء الأطفال، والإسرائيليون يمنعون حتى محاليل الجفاف!".
§ الأطفال ضحايا سياسة التجويع
1. إحصاءات الموت الصامت
- منذ أكتوبر 2023، توفي 111 شخصًا على الأقل بسبب سوء التغذية، بينهم 80 طفلًا. في يوليو 2025 فقط، سجلت وزارة الصحة في غزة 46 حالة وفاة بالجوع خلال 24 ساعة.
- تقارير منظمات حقوقية توثق أن نصف ضحايا إطلاق النار عند نقاط التوزيع هم من الأطفال أو مقدمي الرعاية لهم. أحد الناجين يروي: "أطفال يتامى يُتركون لينزفوا لأن سيارات الإسعاف لا تستطيع الوصول".
2. انهيار النظام الصحي والغذائي
- مع نفاد الوقود، توقفت المخابز ومضخات المياه وانهارت خدمات المستشفيات. العائلات تطهو على نيران أخشاب الأنقاض، بدون ماء نظيف أو صرف صحي.
- تقارير ميدانية تصف أهالي غزة وهم "يفقدون القدرة حتى على مزاحمة الآخرين للحصول على الطعام" بسبب الضعف الشديد. حتى إن حصلوا على الغذاء، يصعب طهوه دون وقود أو ماء آمن.
- يوسف أبو شهلا من خان يونس يصرخ: "رأينا الموت عندما أحضرنا كيس طحين... سوف نطعمه لأولادنا حتى لو متنا!".
§ المفاوضات – كوميديا سوداء
1. انسحاب مدبر لتمديد الحرب
- في 24 يوليو/تموز 2025، سحبت إسرائيل والولايات المتحدة وفودَهما من مفاوضات الدوحة، متهمين حماس بـ"عدم المرونة". المطلوب، وفق تسريبات إسرائيلية "استسلام غزة أو إبادة نصف سكانها".
وكشفت حماس أنها قدمت مقترحين واقعيين:
- تبادل 10 أسرى إسرائيليين مقابل 2 200 فلسطيني.
- انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من المناطق السكنية على مدى 50 يومًا.
ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، اعترف في جلسة مغلقة مع عائلات الأسرى أن واشنطن تدرس "خيارات أكثر شمولًا"، وهي صيغة غامضة تشير إلى خطط عسكرية بديلة. وفي تسريب من محطة الجزيرة، أكد وزير الخارجية الأمريكي لنتنياهو: "امنحنا 6 أسابيع... سنصنع مبررًا لضربة شاملة".
2. الدم مقابل السلطة
- تحليل الخبراء يكشف أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يواجه معضلة:
- قبول صفقة لإنقاذ الأسرى يعني انهيار حكومته اليمينية.
- استمرار الحرب يحمي تحالفه السياسي، حيث يرى محلل عسكري أن "نتنياهو يحتاج 10 000 قتيل فلسطيني جديد لربح الانتخابات".
- رون ديرمر، وزير الاستراتيجية الإسرائيلي ورئيس الوفد المفاوض، يرى أن قضية الأسرى "أولوية ثانوية" مقارنة بهزيمة حماس.
3. خطة التهجير: الخلفية الخفية
في مارس 2025، أقرت إسرائيل خطة لـ"هجرة طوعية آمنة" لسكان غزة، تحت غطاء إنساني، تهدف إلى نقل 700 000 فلسطيني إلى سيناء. وصف محلل إماراتي على قناة "العربية" الخطة بـ "غزة مشكلة سكانية.. والحل في نزوحهم المؤقت". الجدير بالذكر أن جذور هذه الفكرة تعود إلى عام 1967، حين وصف موشيه دايان غزة بأنها "مشكلة معقدة". كشفت تسريبات في عام 2023 أن نتنياهو اقترح على أنتوني بلينكن إنشاء "ممر إنساني لنقل السكان إلى مصر".
الصمت الدولي شريك في الجريمة
إن المأساة في غزة ليست فشلًا إنسانيًا عابرًا، بل جريمة منظمة. تتحول المساعدات الإنسانية إلى سلاح عبر حصار معابر التزويد، وتحويل نقاط الإغاثة إلى ساحات إعدام لقتل السكان حتى الاستسلام. تُستخدم المفاوضات كستار لتمديد الحرب وتنفيذ أجندة التهجير.
إن الكارثة الإنسانية في غزة هي اختبار لأخلاق العالم. كل يوم يصمت فيه المجتمع الدولي، يموت عشرات الأطفال لأنهم تجرأوا على طلب رغيف خبز. وإذا كان هناك لوم، فهو موجه أولًا إلى الدول العربية والإسلامية التي صمتت عن هذه الجريمة.
لقد تفوقت إسرائيل في سياسة التجويع والقتل والتعذيب على ما فعله النظام النازي بقيادة أدولف هتلر. سياسة إسرائيل في تجويع الفلسطينيين لا تقل فظاعة عن سياسات القتل والتعذيب في الحرب العالمية الثانية، وهي سياسة معلنة لم يسبق لها مثيل.
إن ما يحدث في غزة ليس مجرد مأساة، بل جريمة تكتب فصولها على مرأى من الجميع. إن الصمت الدولي والعربي تجاه هذه الجريمة هو مشاركة في الإثم. وفي هذا السياق، يمكن أن تُختتم هذه الكلمات على لسان طفل فلسطيني:
"لا تنوحوا علينا...
نحن أبناء الأرض التي باعها العرب مرتين...
ارفعوا قضية ضد صمتكم في محكمة التاريخ...
فحين يولد الأحفاد... سيسألون:
كيف نام العالم ونحن نموت؟"
هذه الكلمات تجسد الحقيقة المرة التي نعيشها، وتضع العالم أمام مسؤولياته أمام التاريخ.