: آخر تحديث

الإضافات السكنية... مخالفة أم ضرورة؟

5
5
5

في زوايا الأحياء القديمة، وعلى أطراف المدن الحديثة، تتسلل الإضافات السكنية كحلول صامتة لحاجات صاخبة. غرفة فوق السطح، أو ملحق خلفي، أو تقسيم داخلي يخلق مساحة جديدة في بيت ضاق بأهله. بين من يراها مخالفة للنظام، ومن يراها ضرورة فرضتها الحياة، تقف الإضافات السكنية على مفترق طرق بين القانون والواقع، بين التخطيط والاحتياج. فهل هي تجاوز يجب ضبطه؟ أم استجابة ذكية لظروف اقتصادية واجتماعية؟ وهل يمكن أن تتحول من عبء على البنية التحتية إلى فرصة للتنظيم والتطوير؟

أتابع باهتمام الحملة التي تقوم بها أمانة منطقة الرياض لمخالفة المباني أو الوحدات السكنية التي أضيفت إليها مساكن أو ملحقات دون الحصول على ترخيص مسبق. بالرغم من أن هذا العمل يعد مخالفًا للتعليمات والأنظمة البلدية، إلا أن قراءة المشهد من زاوية اقتصادية واجتماعية تكشف عن تعقيدات أعمق تستحق التوقف والتأمل. فغالبًا ما يكون المالك هو من يتحمل كامل التكاليف التشغيلية، من كهرباء ومياه وصيانة، دون أن يشكل ذلك عبئًا إضافيًا على البنية التحتية العامة. كما أن الإضافات غالبًا ما تكون داخل حدود المبنى القائم، دون تغيير في الهيكل الخارجي أو تعد على المساحات العامة، مما يجعلها أقرب إلى تحسين داخلي لا إلى توسعة عمرانية.

عند الاطلاع على التكاليف المتوقعة للحصول على ترخيص لإضافة سكنية بسيطة، نجد أنها قد تصل إلى نحو 30 ألف ريال، وهي تكلفة مرتفعة نسبيًا، خاصة إذا كانت الإضافة لغرض سكن أحد أفراد الأسرة أو تحسين الاستخدام الداخلي للمسكن. هذه الرسوم تحتاج إلى مراجعة اقتصادية، تأخذ في الاعتبار حجم الإضافة، موقعها، وعدم تأثيرها على البنية العامة، بحيث تكون أكثر مرونة وعدالة. فالتنظيم الناجح لا يقوم على الردع فقط، بل على التيسير والتدرج، خاصة في الحالات التي لا تنطوي على ضرر عام.

في تجارب دولية، مثل هولندا واليابان، تم اعتماد مفهوم "السكن المرن" الذي يسمح بتعديلات داخلية في المسكن وفق احتياجات الأسرة دون الحاجة إلى تراخيص معقدة، طالما أن التعديل لا يؤثر على السلامة الهيكلية أو البنية التحتية. وفي بعض المدن الأوروبية، يسمح بما يسمى "الترخيص الرجعي"، حيث يمكن للمالك أن يحصل على الترخيص بعد تنفيذ الإضافة، بشرط أن تخضع لفحص هندسي يثبت سلامتها، وهو ما يفتح بابًا للتصحيح بدلًا من العقوبة المباشرة. كما أن بعض البلديات في الولايات المتحدة في أميركا تقدم نماذج "التصريح الذكي"، حيث تقيَّم الإضافة بناءً على حجمها وتأثيرها، وتُمنح رخصة مخففة برسوم رمزية إذا كانت الإضافة ضمن حدود معينة.

من المهم أيضًا أن تعيد الأمانة النظر في آلية الرقابة، فالإضافات الداخلية يصعب اكتشافها من قبل الجيران أو المارة، مما يجعل الاعتماد على البلاغات المجتمعية غير عملي. الحل يكمن في تطوير أدوات رقابية ذكية تعتمد على البيانات، وربما ربط فواتير الخدمات بخرائط البناء المعتمدة، لكشف التغيرات غير المصرح بها. كما أن منح مهلة تصحيحية للملاك، مع تخفيض الرسوم لمن يبادر، سيعزز من ثقافة الالتزام الطوعي ويقلل من حالات التهرب.

اقتصاديًا، لا يمكن فصل هذه الظاهرة عن تصاعد أسعار الأراضي وتكاليف البناء، التي دفعت كثيرًا من الأسر إلى البحث عن حلول داخل حدود منازلهم. الإضافات السكنية، في هذا السياق، ليست ترفًا بل استجابة مباشرة لضعف القدرة الشرائية، خاصة لدى الطبقة المتوسطة وما دون. بل إن بعضها تحول إلى مصدر دخل غير رسمي، عبر تأجير غرف أو ملحقات، ما يخلق واقعًا اقتصاديًا موازيًا خارج مظلة التنظيم الرسمي.

اجتماعيًا، تنبع الإضافات من حاجة إنسانية بحتة. الأسر تكبر، والاحتياجات تتغير، والبيت الذي كان يتسع للجميع بات يضيق بأحلامهم. هنا، تظهر ثقافة "التوسعة الذاتية" كحل شعبي ذكي، يمنح الخصوصية ويحفظ الكرامة، ويجنب الأسرة خيارات أكثر قسوة كالسكن المشترك أو التنقل المستمر.

لكن هذه الحلول، بالرغم من واقعيتها، لا تخلو من تحديات. فالإضافات غير المرخصة قد تضغط على البنية التحتية، وتفتقر للسلامة الإنشائية، وتغيب عنها الرقابة. ومع ذلك، فإنها تفتح بابًا للفرص: فرص لتطوير نماذج تنظيمية مرنة، وإدماج هذه الإضافات في التخطيط الحضري، وخلق وظائف في قطاع الترميم والتوسعة.

في النهاية، لا يمكن النظر إلى الإضافات السكنية بمنظار المخالفة فقط، ولا بمنظار الضرورة وحدها. بل يجب أن نعيد صياغة السؤال: كيف نحول الحاجة إلى فرصة؟ وكيف نصغي لصوت الواقع دون أن نفرط في النظام؟ فبين جدران تلك الإضافات، تختبئ قصص عن الكرامة، والصبر، والبحث عن مساحة للحياة.

في النهاية، لا أحد يرفض التنظيم، لكن التنظيم الذي ينجح هو ذاك الذي يراعي الواقع، ويوازن بين حفظ النظام وتيسير الحياة اليومية للمواطنين. مراجعة رسوم الإضافات السكنية ليست ترفًا، بل ضرورة اقتصادية واجتماعية، تضمن التزامًا أوسع، وتقلل من المخالفات، وتعيد الثقة بين المواطن والجهة المنظمة. فالسكن ليس مجرد جدران، بل هو مساحة حياة، ويجب أن يدار بمنطق يراعي الإنسان قبل النظام.

بناء المدن لا يقتصر على رسم الشوارع وتحديد الارتفاعات، بل يبدأ من فهم احتياجات الناس داخل منازلهم، من تفاصيل صغيرة قد تكون ملحقًا لأحد الأبناء، أو غرفة إضافية لوالد مسن. التنظيم الحقيقي لا يقاس بعدد المخالفات المضبوطة، بل بعدد الحلول التي وُضعت لتمنع المخالفة من الأصل. حين تكون الأنظمة مرنة، والرسوم عادلة، والإجراءات ميسرة، يصبح المواطن شريكًا لا متجاوزًا، ويصبح السكن مساحة آمنة للتطوير لا ساحة للخوف من العقوبة. لنجعل التنظيم أداة للتمكين، لا حاجزًا أمام تحسين الحياة، فكل إضافة داخل بيت هي في جوهرها محاولة للاتساع، والاتساع لا يجب أن يقابل بالضيق، بل بالحكمة والاحتواء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.