لم يكن رئيس مجلس الأمة الكويتي السابق، والبرلماني المخضرم، أحمد السعدون خائنًا لوطنه ليُحاسب، ولم يرتكب جرمًا خلال مسيرته الوطنية ليُعاقب؛ بل صدح بالحق، ووقف موقفًا دستوريًا وطنيًا ثابتًا، قبل الغزو العراقي للكويت وبعده.
لكننا أمام عناد سياسي سافر، وخطط كيدية يُديرها بعضُ مَن يملكون النفوذ لتوجيه مجريات الأمور بما يخدم مصالحهم الخاصة ومصالح غيرهم، وهي ظاهرة سلوكية شاذة، وحالة مرضية يتصدرها حب الذات، لا المصلحة العامة، ولا الدفاع عن المكتسبات الديمقراطية.
ويأتي الاغتيال السياسي كتطوّر حتمي لذلك العناد والمكابرة، والكذب والافتراء، لدى مَن أصابتهم لوثة "هوس الطواويس"، فتمادوا في التجبر والاستحواذ على القرار، وصادروا التاريخ السياسي، والعمل الوطني، ومارسوا التهور في استخدام مواد القانون وبيئة العدالة القضائية في الكويت.
نحن اليوم أمام استحقاق وطني عاجل يتمثل في التصدي لهذا العبث الممنهج، وهذا الانتقام والاغتيال السياسي، قبل أن تتحول الساحة المحلية إلى ميدان اقتتال سياسي وقانوني، في دولة مدنية ذات نظام دستوري.
لم تعرف الكويت هذا المستوى من المراهقة والكيدية السياسية كما عرفته بعد حل مجلس الأمة وتعليق بعض مواد الدستور، فـ"حكمة التأمل" التي التزم بها الرمز الوطني أحمد السعدون، فسّرها البعض، أو الكثير – لا فرق – على أنها تواطؤ ضد الديمقراطية!
والأدهى أن مَن يوجّه أصابع الاتهام إلى الرمز أحمد السعدون بسبب صمته المتأمل، إنما يعكس قلة احترام للتاريخ السياسي، ويفتح بابًا للفوضى، ويُغذي ظاهرة مراهقة مشاهير الإعلام الرقمي، الذين زجّوا بساحة القانون في معارك تصفية حسابات شخصية، والتكسب السياسي والقانوني.
والأغرب، في ظل هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها الكويت في عامها الثاني بعد حل مجلس الأمة، ليس غياب المبادرات السياسية التي تثري العمل الوطني، وتفتح أبواب النقاش حول عثرات السياسة والبرلمان والحكومة، بل صعود شرذمة من أعداء الديمقراطية.
تتزاحم هذه الشرذمة في المشهد السياسي، لا من أجل الإصلاح، بل للظهور الإعلامي على حساب التاريخ الديمقراطي للكويت ورموزه الوطنية.
أحمد السعدون لم يعبث بمواد الدستور، ولم يتجاوز اللائحة الداخلية للمجلس، ولم "يزحف" على صلاحيات السلطة التنفيذية، بل كان سياسيًا محترفًا، يتحلى بشرف الخصومة السياسية، وصدق الحديث مع جميع الأطراف، وعلى رأسهم الحكومة.
قد نكون في بدايات مرحلة من الانتقام السياسي، والشكاوى الكيدية، نتيجة تقاعس الجهات الحكومية عن ترسيخ ثقافة الحوار، وتعزيز الوعي السياسي، ونشر المعرفة بتاريخ الكويت السياسي، منذ مجلس الشورى وحتى قيام الدولة الدستورية الحديثة.
هناك جيوب عسكرية وطائفية ملغومة بروح الانتقام السياسي من الكويت، تقودها إيران الخمينية وجماعاتها في العراق، وهي تحديات تفرض علينا المواجهة، وتستدعي وحدة الصف الوطني.
وتستدعي هذه التحديات والتطورات الإقليمية تحكيم العقل والحكمة، بعيدًا عن تشويه التاريخ السياسي أو النيل من رصيد وطنية رمزٍ بحجم رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون.