«هدفي الأول أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على الأصعدة كافة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك».
هذا الهدف الذي وضعه الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ليس أمنياتٍ عابرة، وإنما غاية سعت الحكومة السعودية إلى تحقيقها على أرض الواقع، لكيلا تكون هنالك هوةٌ بين الأقوالِ والأفعالِ، وتتحقق الرفاهية للشعب، وتمضي عملية الإصلاح والتطوير بخطى ثابتة.
ليس سهلاً أن تكون السعودية «نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم»، فتلك مهمة تحتاج إلى خطة استراتيجية بعيدة المدى، مرنة، واضحة المعالم، وقابلة في ذات الوقت للتكيف مع المتغيرات الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تطرأ على الشرق الأوسط والعالم. من هنا، جاءت «رؤية المملكة 2030» التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في أبريل (نيسان) 2016، وهي الخطة التنموية التي كانت بمثابة الرافعة؛ ليس للتغيير الاقتصادي وحسب، بل لآليات عمل الدولة وإدارة مؤسساتها، وأيضاً نمط الحياة في المجتمع السعودي، ورؤيته الثقافية وحتى الدينية للآخر وعلاقته به، وكيف يمكنه أن يبني دولة مدنية حديثة، تحقق تطلعات المواطنين، وتجتذب العقول والخبرات والاستثمارات الخارجية، وفي الوقت ذاته تحافظ على هوية محلية غير مُنبتَّة عن جذورها، من دون أن تكون هوية قلقة أو مصمتة!
عندما أُعلنت «رؤية المملكة 2030» قال حينها الأمير محمد بن سلمان: «يسرني أن أقدّم لكم رؤية الحاضر للمستقبل، التي نريد أن نبدأ العمل بها اليوم لِلغد، بحيث تعبِّر عن طموحاتنا جميعاً وتعكس قدرات بلادنا». مما يعني أن هذا المشروع الوطني الطموح في مستهدفاته هو تعبير عن طموحٍ جمعيٍّ لكل السعوديين، ولذا فإن نجاحه وتقدمه يعتمد على العمل المشترك، وعلى الاعتماد على القدرات الذاتية بدرجة أولى، والاستعانة بالخبرات الأجنبية، كي يتكامل بعضها مع بعض.
إن تأكيد الأمير محمد بن سلمان أن «لدينا عقليات سعودية مبهرة ورائعة جداً، بخاصة في جيل الشباب، طاقة قوية شجاعة، وثقافة عالية، واحترافية جيدة وقوية جداً، ويبقى فقط العمل»، ليس خطاباً عاطفياً من قائدٍ تجاه شعبه، بل تعبير عن هذه العلاقة المبنية على الثقة، والولاء، والعمل معاً من أجل دولة حديثة، تتجاور فيها الكفاءات، ويسودها القانون العادل، وتنخرط في تحديث المنظومة التعليمية، لأنها الأساس للدفع باتجاه بناء كفاءات محلية تستطيع توطين مختلف الصناعات العسكرية والمدنية والطبية والنفطية، وأيضاً تدفع نحو مزيد من البحث العلمي والابتكار، لأنه من دون «العلم» لا يمكن أن تلجَ الأمم الحضارة، وتكون صانعة لها!
كل ذلك، كانت له أسسٌ انبنى عليها الطموح السعودي، وهذه الركائز الرئيسية هي «العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، وأهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي»، وهي ستعمل على فتح مجالٍ أرحب لـ«القطاع الخاص ليكون شريكاً، بتسهيل أعماله، وتشجيعه، لينمو ويكون واحداً من أكبر اقتصادات العالم، ويصبح محركاً لتوظيف المواطنين، ومصدراً لتحقق الازدهار للوطن والرفاهية للجميع»، وهذا الوعد الذي أطلقه ولي العهد «يقوم على التعاون والشراكة في تحمل المسؤولية».
منذ الإعلان عن «الرؤية» عام 2016 حدث كثير من المتغيرات المفصلية أهمها: جائحة كورونا، وتقلبات أسعار الطاقة، واستهداف الداخل السعودي بعمليات إرهابية، والحرب على غزة ولبنان، والحرب الإسرائيلية - الإيرانية؛ مما يعني أن هنالك تقلبات في الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية خارجة عن السيطرة، وبالتالي من الطبيعي أن تؤثر سلباً ولو بمستوى معين في سرعة أو حجم المشاريع في أي دولة أو اقتصاد.
رغم ذلك، مضت «الرؤية» في مشاريعها، وعملت على مراجعة خطط التنفيذ والميزانيات، وهذه خطوة تدل على أن هنالك مرونة في الإدارة، وبالتوازي مع ذلك تم العمل على تجويد الحوكمة وآليات العمل في الوزارات والمؤسسات العامة، والهيئات التي استُحدثت بعد «الرؤية» لتكون مسرِّعة للمشاريع المختلفة، مع التدقيق في العمليات المالية ومنع هدر المال العام أو التكسب غير المشروع وتطوير النظام القضائي والقوانين والبنية التحتية.
في الوقت ذاته، كانت أعين المستثمرين الأجانب تراقب ما يحدث من تغيرات سريعة داخل المملكة، بوتيرة لم تكن معتادة من قبل، ولذا، كان البعض يعتقد أن «رؤية المملكة 2030» ما هي إلا خططٌ حالمة لن تبصر النور، إلا أنه وخلال بضع سنوات، حصل تغير ملحوظ في قطاعات: السياحة، والرياضة، والتقنية، وتنويع مصادر الدخل، والطاقة، والترفيه، والثقافة، والتقنية... وسواها، مما أعطى مؤشرات عملية على أن ما يجري ليس حملة تسويقية، وإنما باتت المشاريع المقامة والأنظمة الحديثة التي تُصدرها الدولة، هي الإشارة الأكثر وضوحاً ودلالة على التغيير، وأنه يمكن لأي مواطن أو مقيم أو زائر أن يلمس هذا التغيير بنفسه مباشرةً.
كل ما سبق، جعل من السعودية «الوجهة»، وأن تكون إحدى أهم الدول في العالم التي تَشْخَصُ لها الأنظار، من دون أن نغفل الأدوار السياسية المهمة التي قامت بها في مجال الوساطة بين المتحاربين أو تقريب وجهات النظر، والدبلوماسية الفاعلة في تخفيف التوترات ونزع فتيل الأزمات والحروب.
قبل هذا كله، السعودية تدركُ جيداً أنها «الوجهة» وقِبلة المسلمين حول العالم، حيث بيت الله الحرام والمسجد النبوي الشريف، مما يحمِّلها مسؤولية كبيرة، تنبع أولاً من خصوصية المكان، وثانياً من القيم الأخلاقية والروحية التي توارثتها الأجيال.
أن تكون السعودية هي «الوجهة» كما جاء في الفيلم الوثائقي الذي أنتجته مبادرة «كنوز السعودية» التابعة لوزارة الإعلام، فهذا يعني أن ينظر السعوديون إلى «مستقبل أكثر إشراقاً، قادرين على أن نصنعه -بعون الله- بثرواتها البشرية والطبيعية والمكتسبة التي أنعم الله بها عليها»، كما يقول الأمير محمد بن سلمان، الذي أكد أنه «لن ننظر إلى ما قد فقدناه أو نفقده بالأمس أو اليوم، بل علينا أن نتوجه دوماً إلى الأمام».
هذه «الوجهة» هي دولة حديثة منفتحة على العالم، مرحِّبة بالثقافات المختلفة، لديها ثقة بقيادتها وشعبها وتراثها، من دون خيلاء أو غرور، ولديها إرثٌ يمتد إلى الدولة السعودية الأولى، حيث النواة الصلبة التي بُني عليها هذا التراكم من الخبرة السياسية، التي جعلت السعودية اليوم مقصداً لعديد من الكفاءات العالمية، كي تستفيد منها في البناء والتطوير، وهو ما عمل عليه في وقتٍ باكرٍ، المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، حيث كان بلاطهُ يعجُّ بالخبرات والسياسيين والمثقفين من مختلف الأمصار.