في ثقافات كثيرة، ينظر إلى الانشغال المستمر وكثرة العمل كعلامة على الجدية والنجاح والطموح. تسمع أحدهم يقول «أنا مشغول طوال الوقت» وكأنها وسام شرف، بينما يغمره الإرهاق، ويذوب وقته بين المهام... دون مساحة بسيطة للتوقف. والراحة في هذا السياق لم تعد يتم النظر لها كحاجة طبيعية أو حق مشروع للشخص، بل كترف، ضعف، أو حتى مضيعة للوقت.لكن العلم يقول إن الراحة ليست نقيضاً للإنتاجية، بل شرط أساسي لها! وهذا الشيء قد أثبتته عدة دراسات في علم النفس والسلوك البشري... حيث كنت أقرأ ملخصاً لدراسة تدل على أن فترات الراحة المنتظمة من الممكن أن تحسن من أداء العقل، وتعزز التركيز، وتقلل من مستويات التوتر، تلك الدراسة تم نشرها بمجلة: Cognition عام 2011، أجراها الباحث الدكتور اليخاندرو ييراس، من جامعة إلينوي، أظهرت أن مواصلة العمل دون توقف قد تؤدي إلى انخفاض في اليقظة والانتباه! بينما تساعد فترات الراحة القصيرة على «إعادة تنشيط» أهدافك العقلية للمهام، وهذا الشيء بالتالي يمنع التدهور التدريجي في كفاءة عملك وجهدك. لقراءة ملخص الدراسة:https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0010027710002994 من الأمور التي قد تلاحظها أيضاً، أن بعض أكثر الشعوب إنتاجية في العالم، مثل دول شمال أوروبا، تخصص ساعات أقل للعمل يومياً، مع فترات راحة أطول، وتحافظ في ذات الوقت على كفاءة عالية ومعدلات سعادة مرتفعة. (ونجد دليلاً على ذلك في شركات عالمية ضخمة شهيرة بجودة عملها هناك). والسبب بسيط: الإنسان ليس آلة، بل كائن يحتاج إلى التوازن بين الجهد والراحة، المحافظة على هذا التوازن ينعكس، بشكل واضح، على جودة العمل.الراحة لا تعني الكسل، بل استعادة للطاقة الجسدية والنفسية، حتى في أوقات الإبداع. كثير من الأفكار العميقة لا تولد في وسط الانشغال، بل خلال نزهة مثلاً، أو لحظة صمت وهدوء، أو حتى أثناء شرب كوب قهوة. أجمل ما في الاستراحة أنها تعيدك إلى نفسك، وتجعلك ترى الصورة من زاوية بعيدة وواسعة، وتمنحك الفرصة لإعادة التقييم، وربما تعديل الاتجاه بالكامل.لكي نستفيد من الراحة، علينا أن نتعامل معها بوعي. ليس المقصود أن نملأ كل دقيقة فراغ بتصفح الهاتف أو التنقل بين تطبيقات التسلية، بل أن نخصص وقتاً حقيقياً للانفصال المؤقت عن الضجيج. أن نختار راحة قريبة من أرواحنا، مشياً في الهواء الطلق، أو قراءة، أو جلسة تأمل، أو حتى عدم فعل أي شيء على الإطلاق... www.shaimaalmarzooqi.com
الجودة والأداء والراحة
مواضيع ذات صلة