عماد الدين حسين
من الكاسب ومن الخاسر في صفقة الغاز التي أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، المصادقة عليها مع مصر بقيمة 34.7 مليار دولار، وتتضمن أن تبيع إسرائيل لمصر 130 مليار متر مكعب من الغاز حتى العام 2040؟ لو سمعنا فقط الصيغة التي تحدث بها نتانياهو لاعتقدنا أنها تصب في صالح إسرائيل فقط، خصوصاً حينما قال إنها الأكبر في تاريخ إسرائيل وتضمن المصالح الأمنية والحيوية للدولة. ومن يقرأ فقط تعليقات بعض المصريين فسيعتقد أن الصفقة تضر بالأمن القومي وتعتبر مكافأة لإسرائيل.
ومن يقرأ بيان رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، فسيتأكد أن مصر هي المستفيد الأكبر اقتصادياً من الصفقة، وأنها لم ولن تقدم أي تنازلات فيما يتعلق بموقفها المبدئي من القضية الفلسطينية.
والسؤال مرة أخرى: «من هو الكاسب ومن هو الخاسر، وأين تقع الحقيقة»؟ الإجابة على السؤال تتطلب التفريق بين الاقتصادي والسياسي حتى لا يتم الخلط بينهما بما يقود إلى إرباك الناس وتشوشهم وضياع الحقيقة.
إذا تحدثنا من منظور اقتصادي فقط فإن الطرفين رابحان إسرائيل تملك فائضاً كبيراً من الغاز لكنها لا تملك خيارات عملية للتصدير إلا عبر مصر بحكم وجود خطوط أنابيب بين الطرفين منذ سنوات، وبالتالي فإذا لم تستورد مصر الغاز من إسرائيل، فإن الأخيرة لا تملك إلا أن تبقيه مدفوناً في حقولها.
النقطة الجوهرية الثانية التي لم يلتفت لها كثيرون هي أن شركة شيفرون الأمريكية تملك نحو 45 % من حقل ليفياثان و20 % من حقل تامار، وبالتالي فهي تملك نحو 65 % من أكبر حقلين للغاز في إسرائيل، ومن مصلحتها أن يتم التعاقد على تصدير الغاز لمصر وإلا تتكبد خسائر. ومن هنا يمكن فهم سر الضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية والرئيس دونالد ترامب شخصياً على إسرائيل للمصادقة على الصفقة ليس حباً وعشقاً في الاقتصاد المصري، ولكن للحفاظ على مصالح الشركات الأمريكية.
نتانياهو بمراوغاته السياسية المعروفة، أعلن قبل شهور أنه جمد التوقيع على الصفقة التي تم التوصل إليها في أغسطس الماضي، بذريعة أن مصر تخرق اتفاقية كامب ديفيد، فهو لم يكن يقول الحقيقة، هو حاول الضغط على مصر لوقف دعمها الشعب الفلسطيني، لكن الحقيقة الأساسية هي أن المشكلة الفعلية كانت بين الحكومة الإسرائيلية وشركة شيفرون التي تبحث عن تسويق وبيع الغاز الذي تمتلك الحصة الأكبر منه والحصول على العوائد.
والحكومة الإسرائيلية تريد من الشركات الأجنبية عدم تصدير كامل حصتها للخارج، بل تخصيص جزء أساسي من الإنتاج للسوق المحلي، حتى يتم تخفيض أسعار الغاز الداخلية أو تخفيض سعره إذا أمكن، والهدف من هذا هو أن نتانياهو يريد مغازلة الشارع، وعينه على الانتخابات نهاية العام المقبل.
هو يريد أن يقول للإسرائيليين إنني لم أحقق الانتصار الكاسح على أعداء إسرائيل فقط بل أسعى لتخفيض فاتورة استهلاك الغاز الذي صار يمثل 70 % من الوقود الذي تستخدمه شركات توليد الكهرباء هناك. أما لمصر فهي تبدو حتى الآن المستفيد الأكبر اقتصادياً من الصفقة والسبب ببساطة بعيداً عن السياسة أنها تستورد الغاز الخام من إسرائيل عبر الأنابيب بسعر سبع دولارات فقط للمليون وحدة حرارية، في حين أنها إذا استوردت الغاز مسالاً من دول أخرى فإنها ستدفع 14 دولاراً للمليون وحدة. وبالتالي ستتمكن مصر عبر الصفقة من سد احتياجاتها من الغاز أولاً بعد تراجع إنتاجها كثيراً في الأعوام الماضية، إضافة إلى تصدير نصف الصفقة تقريباً كغاز مسال لدول أخرى، خصوصاً أنها تملك محطتي إسالة في ادكو ودمياط على البحر المتوسط، كما اتفقت مصر مع قبرص على توريد جزء كبير من إنتاجها من الغاز إلى هاتين المحطتين. وجهة النظر المصرية تقول إن الصفقة تجارية بحتة وتمت وفقاً لاعتبارات اقتصادية واستثمارية خالصة، وليس لها أي أبعاد أو تفاهمات سياسية من أي نوع، وإن أطراف الصفقة ليست حكومات بل شركات تجارية دولية معروفة تعمل في قطاع الطاقة منذ سنوات طويلة، ومن بينها شركة شيفرون دون تدخل حكومي مباشر في إبرام هذه التعاقدات، وإن الصفقة تأتي في إطار تعزيز موقع مصر باعتبارها المركز الإقليمي الوحيد لتداول الغاز في منطقة شرق المتوسط، ما يتيح لها تنويع مصادر استقبال الغاز من أكثر من مسار وأكثر من شريك ومن دون التعرض لأي ضغوط أو قيود.
سياسياً، هناك بعض المصريين لم يرحب بهذه الصفقة لأنها تتزامن مع تدمير إسرائيل لقطاع غزة واستيطان الضفة، لكن أنصار هذا الرأي لا يقدمون حلاً عملياً للتعامل مع الفارق الضخم بين سعر الغاز الإسرائيلي المنخفض والغاز المستورد مسالاً. هذا الرأي المعارض يرى أنه من شأن الصفقة التأثير على الموقف المناصر للقضية الفلسطينية.. في حين أن الحكومة المصرية ترد ببساطة على هذا الاتهام وتقول مستنكرة: وهل أثرت الصفقة الأولى 2019 على مواقفنا وسياساتنا؟ ألم تكن مصر هي المساهم الأكبر والأبرز في منع مخطط تهجير فلسطيني غزة؟!

