شهد المجتمع السعودي خلال العقد الماضي تحولاتٍ متسارعة، امتدت لتلامس عمق النسيج الاجتماعي وعاداته المتوارثة.
لقد رصد الكاتب فاضل العماني أكثر العادات السيئة شيوعاً -من وجهة نظره- في عام 2014. واليوم وبعد مرور عقدٍ كامل، يحق لنا التساؤل: هل صمدت هذه العادات أمام رياح التغيير العاتية؟ أم أنها تلاشت، أو ربما اكتسبت أبعاداً جديدة؟
كانت "عادة الفرز والتقييم" بناءً على الخلفيات العرقية أو القبلية من أبرز ما رصده العماني. واليوم ومع الانفتاح المتزايد وتوسع آفاق التعليم والعمل، بدأت هذه النظرة تتراجع، وإن لم تختفِ تماماً، لأن جيل الشباب بانفتاحه على الثقافات المتنوعة، يميل أكثر لتقييم الفرد بناءً على كفاءته وقيمته الإنسانية، لا على أصوله.
أما الظاهرة الثانية، وهي "عدم احترام الخصوصية"، فربما لم تتقلص، بل تطورت وتجذرت بأشكال مختلفة، فبعد أن كانت تتجلى في التلصص على شاشة الصراف الآلي، أصبحت اليوم تتجسد في الفضول عبر الشاشات الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي، فصار "التصوير لكل شيء" و"التدخل في حياة الآخرين" رقمياً ظاهرةً تثير تساؤلاتٍ عميقة حول حدود الخصوصية في عالمٍ لا حدود له.
في المقابل، شهدت عادة "التحرج من ذكر اسم المرأة" تراجعاً لافتاً، يكاد يكون نقطة تحولٍ فارقة، فمع تعاظم دور المرأة في المجتمع، ودخولها ميادين العمل والقيادة بقوة، أصبح ذكر اسمها طبيعياً، ورمزاً للاحترام والتقدير.
ويبقى "عدم الاهتمام بحق الآخر" أو الأنانية، سلوكاً فردياً متأصلاً، لم يختفِ كلياً، فعلى الرغم من زيادة الوعي المجتمعي ومراعاة حقوق الغير، إلا أن بعض الممارسات، كعدم احترام أنظمة المرور أو رمي النفايات في الأماكن العامة، مازالت حاضرة.
كما ظلت "عادة عدم احترام الوقت"، وتحديد المواعيد بمرونة مبالغ فيها، حاضرةً بقوة. فـ"بعد صلاة العشاء" لا يزال تعبيراً شائعاً يعكس تبايناً بين وتيرة الحياة الحديثة وساعات العمل الطويلة، ومع ذلك يرتفع الوعي بأهمية إدارة الوقت في بيئات العمل الجادة والمشاريع الكبرى.
لعل الأكثر إثارة للقلق، هو استمرار وتنامي "الاهتمام المبالغ فيه برأي الآخرين"، فمع سطوة وسائل التواصل الاجتماعي، تحول "البرستيج" و"الشكل العام" إلى هاجسٍ يؤرق الكثيرين، فباتت "الإعجابات" و"المتابعات" على وسائل التواصل مقياساً للقيمة الذاتية، مما يدفع البعض لعيش حياةٍ افتراضية مثالية تفتقر إلى الأصالة، سعياً لرضا الجمهور الافتراضي، وهذا ما تعاني منه المجتمعات العربية دون تمييز.
أما "النوم المتأخر جداً" والسرعة في معظم جوانب الحياة"، فهما عادتان راسختان، فالسهر المرتبط بالترفيه الرقمي بات جزءاً لا يتجزأ من نمط حياة الكثيرين، على الرغم من أضراره الصحية.
وأخيراً، "غياب ظاهرة المثال والقدوة" وثقافة التسقيط". هنا نشهد تحولاً إيجابياً، لأن المملكة تسلط الضوء على مبدعيها وملهميها في المجالات كافة، مما يعزز ثقافة القدوة والإلهام، وفي المقابل، لا تزال ثقافة "التسقيط" والانتقاد السلبي والهدّام موجودة، لا سيما في فضاءات التواصل الاجتماعي التي توفر بيئةً خصبة لذلك.
إننا أمام عالم يتغير، وتتغير معه ثقافات، وتتأصل عادات، وتتلاشى هنّات، بعضها يتوافق مع روح العصر وسرعة إيقاعه، والبعض الآخر يظل على عناده غير مبال بقيم أو تقاليد.