: آخر تحديث

على درب القافلة... مات الجياع أمام الصمت الدولي!

5
2
1

حسين الراوي

لم تكن قوافل الإغاثة في غزة، مجرّد شاحناتٍ تحمل الدقيق والماء، بل كانت آخر خيطٍ يُمسك به الجوعى في مواجهة الموت البطيء. لكن إسرائيل، التي احترفت تحويل كل شيء إلى هدف عسكري، حتى بطون الأطفال، قررت أن هذا الخيط يجب قطعه بالرصاص.

في مشهد يعجز الخيال عن توصيفه، سقط عشرات الفلسطينيين شهداءً أمام عيون العالم، بينما كانوا يصطفّون لاستقبال مساعدات إنسانية عند شمال غزة. لم يكن المشهد ميدان معركة، بل ميدان انتظار، جموع من المدنيين، رجال وأطفال ونساء، كانوا ينتظرون ربطة خبز أو كيس طحين... لكنهم تلقّوا الرصاص بدل الرغيف.

بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن أكثر من 70 بريئاً سقطوا خلال أقل من 24 ساعة، والعدد مرشح للارتفاع، بعدما قامت القوات الإسرائيلية بإطلاق النار على حشود مدنية كانت تتدافع باتجاه قافلة مساعدات بالقرب من معبر زكيم.

وفي ظلّ هذا النزف اليومي، خرج وزير الخارجية الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى بكلمات عظيمة تاريخية، أطلقها عبر تصريح بالغ القسوة والوضوح، قال فيه «ما يحدث في غزة ليس صراعاً، بل عملية إبادة مُمنهجة، والقتل عند طوابير المساعدات يفضح من لايزال يُبرر لإسرائيل أو يصمت عنها».

وأضاف أمام الصحافيين في رام الله: «أطفال غزة لم يعودوا يقيسون أعمارهم بالسنوات، بل بعدد الوجبات التي لم يحصلوا عليها، وعدد الأصابع التي بُترت بفعل القصف. هناك اليوم مقاسات جديدة للطفولة في غزة: طفولةٌ مبتورة، طفولةٌ جائعة، طفولةٌ مفجوعة».

وأكد أن «المجتمع الدولي بات شريكاً في الجريمة عبر صمته»، متسائلًا «كم مجزرة أخرى تحتاجون لتُدركوا أن إسرائيل تستهدف الوجود الفلسطيني برمته؟ حتى الطحين صار تهديداً في نظرهم»!

هذه ليست المرة الأولى التي تطلق فيها قوات الاحتلال النار على المنتظرين للمساعدات. منذ بداية الحرب، تكررت مشاهد إطلاق النار على مناطق توزيع الإغاثة، وكأن الهدف ليس «حماس»، بل كل من يحمل بطاقة تموين أو دلو ماء أو بقايا أمل.

الوحشية الإسرائيلية بلغت ذروتها في استخدامها سلاح الجوع كسلاح عسكري. فحين لا تقتل بالصواريخ، تقتل بالتجويع، وعندما يقترب الناس من شاحنة الإغاثة، تأتي الرصاصة لتختصر سؤالهم إلى صمتٍ سريري.

أما المجتمع الدولي، فهو في أفضل أحواله، يُصدر بيانات «قلق بالغ»، وكأن مشهد الأطفال المتفحمين يحتاج إلى المزيد من التوثيق كي يتحوّل إلى «انتهاك»! أي وحشية بعد هذه؟! وأي ازدواجية أبشع من هذا السكوت الملطخ بدماء الجائعين؟!

لقد قالها مصطفى بمرارة «إذا بقيت الأمم المتحدة عاجزة عن وقف المجازر في غزة، فلتغير اسمها من منظمة دولية إلى هيئة للمراقبة الصامتة».

وفي ظل هذه الوحشية، لم يعد السؤال: إلى متى تستمر إسرائيل؟ بل صار: إلى متى تواصل الدول الكبرى توفير الغطاء لهذه الوحشية؟! في نهاية السطور...

لم تكن قوافل المساعدات في غزة مجرد عربات غذاء، بل كانت اختباراً لإنسانية هذا العالم. وسقط العالم... سقط في الميدان، بلا عذر ولا مبرر، لأنه أدار ظهره لأناسٍ يموتون على أبواب الدقيق!

أما الفلسطينيون، فحتى في موتهم، يكشفون أقنعة الحياد، ويعرّون العالم من ورقة التوت الأخيرة...


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد