: آخر تحديث

مراجعات «اضطرارية» لـ «الحلم الكردي»

8
5
6

د. محمد السعيد إدريس

قليلة هي تلك اللحظات التي توصف بأنها قد غيرت مجرى التاريخ. من هذه اللحظات النادرة ذلك المشهد الذي جرت أحداثه في مدينة السليمانية بكردستان العراق يوم الجمعة 11 يوليو/ تموز الجاري عندما قام 30 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني (التركي المعارض) أعطت نفسها اسم «مجموعة السلام والمجتمع الديمقراطي» بإلقاء أسلحتها ثم إحراقها، كخطوة رمزية من جانب هذا الحزب الكردي التركي المعارض، تأكيداً للالتزام بدعوة زعيمهم التاريخي عبد الله أوجلان التي أطلقها تحت مسمى «دعوة إلى السلام والمجتمع الديمقراطي» التي قادت الحزب إلى اتخاذ قرار حل نفسه وإلقاء أسلحته في 12 مايو/ أيار الماضي. هذه التطورات المثيرة جاءت استجابة لعوامل كثيرة «كردية كردية» و«كردية تركية» وأخرى تحدث في الجوار الإقليمي، لكن كان أبرزها تلك المبادرة التي طرحها رئيس حزب «الحركة القومية» الشريك الأساسي لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان في «تحالف الشعب» داخل البرلمان، تحت مسمى مبادرة «تركيا خالية من الإرهاب» في 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بدفع من الرئيس أردوغان، دعا من خلالها زعيم حزب «العمال الكردستاني» أوجلان المعتقل في سجن إمريلي منذ عام 1999، لتوجيه نداء لحل حزب «العمال الكردستاني»، وإلقاء أسلحته، مقابل النظر في الإفراج عنه عبر إصلاحات قانونية. هذه التطورات كانت لها مردودات شديدة الأهمية داخل تركيا، لم يستطع الرئيس التركي أن يتجاهلها، بل كان شديد التأثر بها، لدرجة قوله إن بلاده «دخلت مرحلة تاريخية جديدة» مع بدء ما وصفه ب «نهاية آفة الإرهاب» ومؤكداً أن «فجر تركيا العظيمة والقوية يبزغ اليوم»، بعد 41 عاماً من المواجهة مع تنظيم حزب العمال الكردستاني. ورغم أهمية الانعكاسات الداخلية في تركيا لهذه التطورات، إلا أن انعكاساتها الإقليمية وبالتحديد في الساحات الكردية بدول الجوار الإقليمي لتركيا: سوريا والعراق وإيران لن تقل أهمية، لكن يبدو أن الساحة السورية ستشهد على المستوى الكردي «تحولات وتطورات لا تقل أهمية بفعل متغيرين آخرين، أن يقوم حزب «العمل الكردستاني» التركي بحل نفسه، وهو الذي يعتبر الحاضنة الكبرى لتنظيم «قوات سوريا الديمقراطية»، (قسد) الذي شارك الأمريكيين والحلفاء الغربيين في القتال ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في شمال شرق سوريا منذ عام 2015، والذي نجح في توظيف هذه الشراكة القتالية مع الأمريكيين لصالحه، في إعلان طموح كردي يهدف إلى الانفصال بشمال شرق سوريا وتأسيس دولة كردية مستقلة برعاية أمريكية، سوف يضطر «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) لمراجعة هذا الطموح وتقديم تنازلات في التفاوض مع السلطات السورية الجديدة بخصوص الاتفاق المبرم بين الطرفين في 10 مارس/ آذار الماضي، وبالذات إصرار مظلوم عبدي زعيم «قسد» على أن تبقى قواته «كتلة واحدة» تتبع لوزارة الدفاع المركزية، وألا يتم تذويبها في الجيش السوري، في حين يطالب الرئيس السوري (المؤقت) أحمد الشرع، بحل تنظيم «قسد»، ونزع عنه أي خصوصية، والالتحاق بالجيش الجديد. وإذا كانت التطورات التي تحدث في تركيا على صعيد حل حزب العمال الكردستاني، وتحوله إلى العمل السياسي، ضمن « الوطن التركي الواحد»، يمثل ضغوطاً على قادة قوات سوريا الديمقراطية في علاقتها مع السلطات السورية الجديدة، فإن هناك متغيرين آخرين يدفعان في هذا الاتجاه، أولهما، الدعم الأمريكي التركي للسلطات السورية الجديدة، خاصة دعم خيار«الدولة السورية الموحدة»، على العكس من المخططات الإسرائيلية التي تغذي النزعة الانفصالية عند الأكراد، والثانية المواجهات المسلحة الأخيرة التي وقعت في جنوب سوريا وبالتحديد في مدينة «السويداء» حيث الأغلبية الدرزية بين قوات الأمن السورية وتنظيمات درزية مسلحة، ودخول قبائل البدو المؤيدة للقوات الحكومية إلى جانب عشائر عربية أخرى في المعركة إلى جانب قبائل البدو والقوات السورية، الأمر الذي أثار توقعات بحدوث انحيازات مماثلة من جانب العشائر والقبائل العربية المتحالفة مع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) شمال شرق سوريا إلى جانب القوات السورية، وتفكيك تحالفها مع قوات سوريا الديمقراطية على غرار ما حدث في الجنوب السوري. مردود هذه التطورات الثلاثة، بدأ ينعكس على الموقف التفاوضي لقوات سوريا الديمقراطية، حيث بادرت قيادات كردية سورية بنفي انهيار المفاوضات بين الحكومة السورية و«الإدارة الذاتية» التي تمثل «قوات سوريا الديمقراطية»، وشددت هذه القيادات على وجود تفاهمات قائمة حول القضايا السيادية والوطنية، وطالبت بتكثيف الحوارات والمحادثات، لتذليل الخلافات والقضايا العالقة. حدث ذلك عقب لقاء مظلوم عبدي بالمبعوث الأمريكي توم بّراك في عمان، في تطور يكشف عن مراجعات مهمة بدأت تحدث على صعيد «الحلم الكردي ».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد