خالد بن حمد المالك
لم يكن مستغرباً هذا الموقف الشهم من المملكة نحو الشقيقة سوريا وشعبها، وما هذا التعاطف إلا تجديد واستعادة لتاريخ طويل من العلاقة المتميزة التي تجمع المملكة بسوريا، وإذ تبادر المملكة بتعضيدها لسوريا في هذه المرحلة التي تواجه فيها الكثير من التحديات، فهي تفعل ذلك انطلاقاً من مواقفها التاريخية الراسخة تأكيداً على أنها لم تغفل عن تلبية احتياجاتها ومطالبها في المرحلة العصيبة التي تمر بها.
* *
وما تقدمه لسوريا تنظر إليه على أنه مسؤولية، وأن عليها أن تستجيب لتحقيق ما يعزّز أمنها واستقرارها وازدهارها، ويمكنها من العودة إلى وضعها الطبيعي بعد عقود كانت فيها ضائعة ومهددة بالتقسيم، وفي حروب طاحنة بين كياناتها وشرائح مجتمعها ومع النظام السابق، دون أن تجد من يضمد جراحها ويلبي احتياجاتها بمثل ما تقوم به المملكة الآن ويوجه به ولي العهد.
* *
أمس كانت دمشق على موعد مع الفرح، قصص إخبارية بدأت تتحدث بها وسائل الإعلام، وتبرزها مواقع التواصل الاجتماعي، وتتناقلها بإعجاب الدوائر السياسية على مستوى العالم، وأعني بذلك انعقاد المنتدى الاستثماري السعودي - السوري، الذي بدأ أعماله بحضور الرئيس السوري، وعقد من خلال توجيهات ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بما يؤكد موقف المملكة الداعم لسوريا مع العهد الجديد.
* *
ما حدث أمس كان حدثاً كبيراً وعظيماً، 47 اتفاقية بـ24 مليار ريال سعودي في عدد من المجالات، وعن هذه المبادرة يقول وزير الاستثمار السعودي في الكلمة الافتتاحية للمنتدى: نحن لا نعمل على بناء جسور جديدة، أو لتطوير علاقات حديثة بين المملكة وسوريا، لأن العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الوثيقة والمتبادلة والمتكاملة جمعت بينهما منذ أزمنة بعيدة، وفي العقود الماضية ظلت المملكة وسوريا وجهين لعملة اجتماعية واقتصادية وسياسية واحدة.
* *
حضر هذا المنتدى من الجانب السعودي أكثر من 20 جهة حكومية، وأكثر من 100 من شركات القطاع الخاص الرائدة، وسوف تستثمر في عدد من المجالات، وخاصة في قطاعات الطاقة، والصناعة، والبنية التحتية، والعقارات، والخدمات المالية، والصحة، والزراعة والاتصالات وتقنية المعلومات والمقاولات، والسياحة، والتجارة، وغيرها، وقد أفاض وزير الاستثمار السعودي في إعطاء التفاصيل عن فرص استثمار القطاع الحكومي السعودي وهذه الشركات في سوريا، واكتشاف ما هو متاح من هذه الفرص، والإسهام في المشروعات الاستراتيجية.
* *
في قطاع البنية التحتية تم التوقيع على عدد من الاتفاقيات بما قيمته 11 مليار ريال سعودي لإنشاء أكثر من ثلاثة مصانع جديدة للإسمنت لمستثمرين سعوديين، وفي مجال الاتصالات سيتم تطوير البنية التحتية الرقمية، وتعزيز قدرات الأمن السيبراني، وبناء منظومات متقدمة في مجالات الذكاء الاصطناعي ومركز البيانات، وأكاديميات تعليمية بما قيمته 4 مليارات ريال سعودي.
* *
ما أعلن عنه وزير الاستثمار السعودي المهندس خالد الفالح عن أهمية هذا المنتدى في إفادة سوريا من دخول المملكة مستثمراً كبيراً في عدد من القطاعات لا يمكن اختصاره في هذه الكلمة، ولكن من باب التأكيد على أهمية قطاع الزراعة تتطلع المملكة إلى التعاون في مجالات الزراعة الحديثة، وإنتاج الحبوب، والمنتجات العضوية، وسلاسل الإمداد الغذائي، باتجاه العمل المشترك لتطوير مشروعات نوعية منها المزارع النموذجية، والصناعات التحويلية، والتبادل المعرفي والتقني.
* *
الوزير الفالح تحدث عن قطاعات أخرى سيتم إبرام اتفاقيات بين المملكة وسوريا فيها، ومنها: الخدمات المالية والتحويل، وهناك اتفاق تم توقيعه لبناء مشروع سكني تجاري متميز في مدينة حمص، مؤكداً معاليه أن هذه بداية لهذا التعاون، وأنها لا تمثل ما تم التخطيط له في ظل ما اتخذته الحكومة السورية من خطوات لتحسين بيئة الاستثمار، بما في ذلك تعديل قانون الاستثمار الذي جاء ليمنح المستثمر مزيداً من الضمانات والحوافز، مع تسهيل الإجراءات، وتعزيز الشفافية.
* *
هذه هي المملكة لا يرتاح لقيادتها بال ولا راحة وهي ترى سوريا غير قادرة في إعادة بنائها من جديد مع النظام الجديد، فجاءت توجيهات سمو ولي العهد لإقامة هذا المنتدى، والاستثمار فيه بقوة، وفي مجالات عدة، وستكون هذه المشاريع بيئة لفرص وظيفية محققة للمواطنين السوريين، كما هي معالجة للوضع في سوريا لتتعافى من معاناتها الاقتصادية، ومشجعاً لدول أخرى لتساهم هي في الاستثمار في سوريا.