: آخر تحديث

تخدير العقول والأمن القومي

7
7
7

هل سنذكر بحسرات حرّى، أيّام الرقابة على الأدب والفن والإعلام في البلاد العربيّة؟ «رُبّ يوم بكيت منه فلمّا.. جزت في غيره بكيت عليهِ». يكاد المرء يوقن أن الرقابة كانت قيمةً رفيعةً، معدنها عالٍ غالٍ، وإلّا فكيف كانت لها جولات، حين كانت لأساطين الفن، ونوابغ الشعر، وصفوة الأدباء، وأعلام الإعلام، صولات، فلما توارى الكبار، وأفَلت نجوم الإبداع والإشعاع، وهبط الإنتاج، ناحت على فنن الفن: «هل بالطلول لسائل ردُّ»؟ على الأساطين أن يحمدوا الله، وإلّا لكان موسيقار الأجيال يموت كمداً ونكداً، لو امتدّت حياته إلى حاضرنا. ألم يكن محمد عبدالوهاب عضواً في لجنة أهل النظر في الموسيقى؟ من عجائب القيم الثقافية العربية، أنه لمّا كانت الموسيقى العربية في أوج تألقها بالثلاثيات الذهبية (شوقي، السنباطي، أم كلثوم)، (سعيد عقل، الرحباني، فيروز)، كانت الرقابة حاضرةً ناظرةً، مَشرقاً ومغرباً، فلما صارت الكلمات والألحان خواءً هواءً، فكّت الرقابة رِقابَها، فأمِنت عقابَها. واعجباً، عندما كانت سماء الشعر الغنائي تتزين بمصابيح أمير الشعراء وأحمد رامي وحافظ إبراهيم وبيرم التونسي ومرسي جميل عزيز... كانت شرطة الرقابة ساهرةً على ضمان الأمن الشعري، فلما فرّت الحروف من كلماتها، في زمن سقوط الفن في جبّ الهبوط، ألقت الرقابة سلاحها، وأطلقت نواحها: «ذهب الذين نذوب في أشعارهم.. وبقيتُ في هَذَرٍ كلغْو الأجدبِ». لكن البكاء على أطلال الرقابة أبعد داراً. في يوتيوب غرائب لمكافحة الحسد، لأشخاص يتشبهون بالمتفقهين في الدين. قد يرى المتفكّهون في التنظير، أن في النقد شيئاً من نظرية المؤامرة، لكون العالم العربي لم يُلدغ قط من جحور الدسائس. خلافاً للمتنبي: كلما أراد اتقاء «عِضاض الأفاعي نام فوق العقاربِ». السؤال الذي يمكن طرحه في مستويي الإعلام والقانون، هو: هل تخدير عقول الشعوب، لتعطيل تفكيرها في الحلول العلمية والعملية التنموية الحضارية، مساس بالأمن القومي؟ ما هي مواقف دور الإفتاء والمؤسسات الثقافية، والمفكرين ومراكز الدراسات، ووسائط الإعلام، في دعاوى أدعياء يوتيوب، الذين يروّجون لعجائب من قبيل أن خلّ التفاح يُخرج شيطان الحسد من الجسد. لا أحد يحسدهم إذا كانت لهم عمولات محترمة في مبيعات خل التفاح، مع العلم أنها ليست براميل نفط. لعلّ المبالغ طائلة، إذ لا يوجد مخلوق ليست له نعمة يُحسد عليها، من جاه أو مال، أو نبوغ، أو صحة، حتى ولو كانت من قبيل: «حتى على الموت لا أخلو من الحسدِ»؟ لزوم ما يلزم: النتيجة الكروية: غدت أدمغة الناس كرات يلعبون بها، من كرة بحجم التفاحة المخلّلة، إلى كرات في كتلة نجوم الفلك.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد