: آخر تحديث

الحلف الخفي لإنجاح (ممر داود) في سوريا!

8
7
6

محمد بن عيسى الكنعان

فجأة دون مقدمات يتعرض تاجر خضروات درزي للاختطاف والإهانة يوم الجمعة 11 يوليو 2025م على طريق دمشق السويداء من قبل مجموعة يقال إنها (بدوية)! فترد فصائل درزية يتبعون الزعيم الروحي حكمت الهجري باختطاف مجموعة من بدو السويداء، فتنطلق شرارة الأحداث الدامية، وتتدخل قوات الأمن الحكومية بدعم من قوات الجيش، فيتم الاتفاق على وقف إطلاق النار؛ لكن الزعيم حكمت الهجري يُعلن تراجعه عن الاتفاق بعد موافقته، ويطالب بإخراج قوات الأمن والجيش السوري من السويداء، بل ويطالب بالتدخل الصهيوني بالتنسيق مع زعيم دروز إسرائيل موفق طريف، وبالفعل تستجيب إسرائيل وتقصف القوات السورية بالسويداء يوم الأربعاء 16 يوليو 2025م، مع قصف لمبنى هيئة الأركان العامة ووزارة الدفاع في العاصمة دمشق.

إزاء هذا العدوان الصهيوني انسحبت القوات السورية من محيط السويداء، لكن فصائل الهجري لم تركن إلى السلم بل قامت بقتل مجموعة من بدو السويداء بينهم أطفال وأسر آخرين، ما دفع إحدى الأمهات إلى الاستغاثة بالعشائر العربية السورية، التي لم تتردد في إعلان النفير والزحف نحو السويداء حتى اشتبكت مع الفصائل الدرزية التابعة للهجري وكبدتها خسائر فادحة، ثم دخلت وسط السويداء يوم الأحد 20 يوليو 2025م ما دفع الهجري، ووجهاء الدروز إلى طلب تدخل الحكومة السورية وعقد اتفاق آخر بضمانة عربية ودولية لكنه قابل للانفجار!

إزاء هذه الأحداث الدراماتيكية يأتي أبسط سؤال: هل كانت مصادفة أم مخطط لها؟ تكمن الإجابة في ثنايا التصعيد الإسرائيلي المتواصل تجاه حكومة دمشق منذ سقوط نظام الأسد قبل سبعة أشهر، فلعلنا نذكر دخول القوات الصهيونية في القنيطرة، وتوسعها في الجولان، واجتياحها أكثر من مرة لريف درعا وتهديدها دمشق! ما الداعي لهذا التصعيد؟ وما هي العلاقة بين حكمت الهجري وموفق طريف زعيم دروز إسرائيل؟ وإشكالية الأكراد؟ تتضح المسألة بذلك الحلف الخفي لإنجاح مشروع (ممر داود) الذي يهدف إلى تغيير جغرافي يُمكّن إسرائيل من تحقيق التوسع والنفوذ؛ حيث يبدأ هذا الممر - وهو شريط جغرافي ضيق - من مرتفعات الجولان، مرورًا بالمحافظات الغربية الجنوبية (القنيطرة - درعا - السويداء)، ويتجه شرقًا مخترقًا جبل العرب (حوران)، ثم يجتاز (ريف دمشق وحمص ودير الزور)، حتى يصل منطقة التنف الواقعة بين سوريا والعراق والأردن، وفيها قاعدة أمريكية، ثم يواصل مساره حتى كردستان العراق.

تكمن أهمية هذا المشروع الاستراتيجي التوسعي في كونه المحور الرئيس في تحقيق حلم دولة (إسرائيل الكبرى)، فاسم المشروع (ممر داود) له دلالة تتجاوز المسألة الاقتصادية، اسم لم يأتِ اعتباطًا أو من وحي الميراث اليهودي، إنما نسبةً إلى النبي داود عليه السلام، الذي يراه اليهود نبيًا وملكًا أسس مملكة إسرائيل الكبرى، وهم اليوم يعملون على بعثها، من خلال هذا الممر الذي يرتكز على تنفيذ مشروع (الشرق الأوسط الجديد)، الذي تحدث عنه شمعون بيريز في كتابه الصادر عام 1993م، وهذا المشروع الخطير هو بالأساس فكرة المؤرخ والمستشرق اليهودي والمفكر الأمريكي الدكتور برنارد لويس، الذي تحدث عنه عقب قيام دولة إسرائيل 1947م، ثم تمت مداولته في الأوساط الأمريكية والإسرائيلية، ويقوم على أن يكون (الشرق الأوسط الكبير أو الجديد) بديلاً عن الوطن العربي والعالم الإسلامي، وذلك بتفتيت الدول العربية والإسلامية، بما فيها إيران، وأفغانستان، وباكستان، وتركيا إلى دويلات، من خلال اللعب على (المذهبية) داخل المذاهب الواحد، و(الطائفية) بين المذاهب الإسلامية، و(العرقية) في البلد الواحد؛ حيث ركزّ المشروع على ثلاث دول مركزية هي: (مصر، والعراق، وسوريا). وبعد تفتيتها سواءً عرقيًا أو دينيًا سيجمعها (ممر داود)، الذي يُراد له أيضًا ضرب قناة السويس، وطريق الحرير الصيني.

وبالنظر إلى الواقع السوري يمكن أن نفهم سر المطالب الكردية والدرزية الداعية إلى اللامركزية لنظام سوريا السياسي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد