: آخر تحديث

عندما ينطق الاستثمار باسم الوطن: قراءة في مشروعات هشام الموسى

3
2
3

في خضم التسابق المحموم على الأرقام والمؤشرات والأسواق، ينهض سؤال جوهري: ما الذي يخلّده التاريخ من أثر رجل الأعمال؟ هل هو حجم ما امتلك، أم عمق ما أحدث؟ هذا السؤال لا يُجاب عنه بالإحصاءات وحدها، وإنما يُجاب من خلال سيرة هشام بن عبدالعزيز الموسى، الذي تحوّلت تجربته الاستثمارية من كونها مجرّد توسع تجاري إلى كونها رؤية حضارية معمارها المال، ولبناتها الذوق، وأفقها الإنسان.

الاستثمار بوصفه مشروعًا ثقافيًا
في عالم يتغيّر بسرعة فائقة، يبرز المستثمر الذي لا يكتفي بلعب أدوار السوق، وإنما يكتب فيها سردية جديدة. هشام الموسى الذي لا يقتصر على أن يبني منشآت عملاقة، ولكن ينسج تجارب تعلم الأجيال؛ لا يستثمر في المربع العقاري فحسب، حيث يصب كامل طاقته في الوعي الجماعي.

عندما يُقيم منتجعًا كـ"أنانتارا" في الرياض، أو "هيلتون" في جازان، فهو يضيف حجارة إلى خريطة الوطن، ويفتح نوافذ على ذائقة عالمية في قلب الجغرافيا المحلية.

وعندما يجلب علامات فاخرة كـ"سوموسان" و"باغاتيل" إلى السوق السعودي، لا يفعل ذلك بدافع استعراضي، وإنما يخلق حوارًا ثقافيًا ناعمًا بين المحلي والعالمي.

بهذا المعنى، يصبح هشام الموسى ناقلًا لحضارات، لا مستوردًا لخدمات؛ صانعًا لمشهد جديد تكون فيه "الضيافة" ممارسة للهوية، و"الترفيه" امتدادًا للكرامة.

من الرؤية إلى التجسيد – تحوّلات رجل في زمن التحوّل
من اليسير أن يرفع المرء شعار "التناغم مع رؤية 2030"، لكن من العسير أن يتحوّل إلى أحد أدوات تحقيقها. هنا تكمن فرادة مشروع هشام الموسى: في انخراطه العملي في تنفيذ مرتكزات الرؤية.

لقد فهم مبكرًا أن التنمية لا يمكن أن تظل أسيرة النفط والمال، فذهب إلى الاستثمار في القطاعات ذات التأثير العميق: الصحة، الطيران، الترفيه، الضيافة، والعقارات الذكية.

لم يُغامر بعشوائية، ولكنه أنشأ محفظة مشاريع متكاملة في وظيفتها، متقاطعة في أثرها، تدور كلها في فلك هدف أسمى: إعادة تشكيل في الاقتصاد السعودي ليكون مُلهِمًا للأجيال. وهو بذلك يصوغ ملامح التغيير، ويُضفي عليها طبعة ذات طابع وطني خالص.

ومن الجوهري أن نفهم: هشام الموسى يتعامل مع السوق بوصفه ساحة بيع وشراء وبوصفه أداة هندسة اجتماعية دقيقة. فهو يؤمن -كما يبدو جليًا من اختياراته- أن ما يُقدَّم من تجارب ضيافة، أو خدمات ترفيه، أو بيئات معيشية، يجب أن يراعي ذائقة المجتمع، ويُحسن تشكيلها دون قطيعة مع أصولها. فمشاريعه تتجنّب الإسفاف، وتذهب إلى إعادة تعريف الفخامة كمعيار للجمال والاحترام، لا كمجرد ترفٍ خادش؛ لهذا فهي تُسهم في بناء صورة ذهنية جديدة عن السعودية: حديثة، منفتحة، راقية؛ دون أن تتنكر لأصالتها. وهنا يعود الاستثمار من مجرد فعل اقتصادي، إلى عمل أخلاقي، ومسؤول، وإنساني.

قد يوجّه نقد مفاده أن هذه المشاريع تخاطب الطبقة المخملية فحسب. غير أن الجواب يتجلّى في الفهم الأعمق لوظيفة "القدوة الاقتصادية": فإن رفع سقف التوقعات والذائقة يُحدث بالتدريج عدوى التحسّن عبر بقية السوق، ويُرسي معيارًا يُحتذى في الجودة والخيال. كما أن هذه الاستثمارات تخلق آلاف الوظائف، وتُطلق مهارات محلية للعمل في بيئات عالمية المستوى. وهي -في الوقت نفسه- تشكّل محطات تدريب واقعي لسوق العمل المحلي على معايير ضيافة وإدارة ومهنية تتجاوز ما اعتاده السوق التقليدي.

إذن، لا نخبوية هنا، بل إعادة ضبط لطموحات مجتمع بأكمله.

إن قصة هشام بن عبدالعزيز الموسى سيرة ذاتية لرجل ناجح، وأنموذج قابل للدرس والتكرار. فالرجل لم يكتفِ بأن يكون منسجمًا مع تحولات وطنه فحسب، ولكنه أصبح أحد أدواتها الفاعلة؛ لم يتفرغ لبناء الثروة فقط، بل لانبعاث معنى جديد من خلال تلك الثروة؛ ولم يكتفِ بأن يكون مستثمرًا في السوق، وإنما صانعًا لمستقبل السوق نفسه.

وفي زمن الرؤية تتداخل فيها الجغرافيا بالثقافة، والمال بالمعنى، لهذا فإن تجربة هشام الموسى تثبت أن الريادة مهارة وبصيرة؛ وأن رجل الأعمال الذي يبني الوعي، يقل أثرًا عن السياسي الذي يشرّع، أو المثقف الذي يُنظّر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.