: آخر تحديث

طوفان الذهب وحيرة «السلَق»

2
2
2

رحمة الله على صديقي الكاتب السعودي الوطني الشجاع، محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ، حيث تذكّرتُ حكاية حكاها عن رحلة له مع رفقته إلى أستراليا، بهدف هواية الصيد.

كان أبو عبد اللطيف من هواة الصيد والقنَص، ومن أنواع هذه الرياضة الصيد بنوع خاص من كلاب الصيد معروف بالجزيرة العربية وخارجها، يُسمّى «الكلب السلوقي»، يمتاز برشاقته وضمور بطنه وسرعته وقدرته على المناورة.

في بريّة من براري أستراليا، في الليل، توقّفوا حين لاحظوا وجود بعض الأرانب، والسلوقي مشهور بقدرته على مطاردة الأرنب، يقول: حين أطلقنا كلاب السلَق على الأرانب، انطلقت بسرعتها ثم بعد لحظة توقفت كلابنا، وحين فتحنا كل الأنوار الكاشفة من سيارات الصيد، وإذْ بنا أمام آلاف الأرانب، وسبب توقّف كلابنا عن المطاردة، ونظراتها الحائرة لنا، هي أنها لم تعتد هذا الكمّ المهول من الطرائد، بل هي مهيَّأة للصيد «النادر» والطريدة الفريدة!

هذه الحكاية تذكّرتها وأنا أقرأ هذا الخبر عن الوكالة الأميركية للفضاء (ناسا) وهو عن اكتشاف كميّات «خرافية» من الذهب والمعادن الثمينة في كويكب اسمه «سايكي 16» يقع في الحزام الرئيسي بين المريخ والمشتري، كما أنّه مُرشّحٌ رئيسي في سباق التنقيب الفضائي المتسارع.

في عام 2019 قُدّرت احتياطات «سايكي» المعدنية - الحديد والنيكل والذهب - بما يصل إلى 700 كوينتيليون دولار، وهو رقم ضخم لدرجة أن «كل شخص على وجه الأرض يُمكن أن يُصبح مليارديراً».

هذا، بعيداً عن التعقيدات اللوجستية في الوصول للكويكب واستخراج ما به، كما صراعات الدول عليه، يثير مخاوف من انهيار الأسواق العالمية، أو التضخّم، فإغراق أسواق الأرض قد يُدمّر قيم هذه الأصول، ويمتد تأثيره إلى الأنظمة المالية. ناهيك عن أنّ «ناسا» تقول إن هناك نحو 1.3 مليون بالنظام الشمسي مثل هذا الكويكب.

نرجع للأرض، فالواقع يقول إنَّ الذهب هو الملاذ الطبيعي لحفظ الثروات، فكلما زادت التوترات، زادت جاذبيته.

لودفيغ كارل، المدير التنفيذي لشركة «Swiss Gold Safe» يقول في خبرٍ صحافي: «عملاؤنا من دول متقدمة، لكنهم لا يثقون كثيراً بالحكومات أو الأنظمة المالية، لذا يحتفظون بالذهب خطةً بديلةً».

إذن قيمة الذهب في نُدرته، كما المعادن الثمينة الأخرى، وإذا كثُر وتفشّى، بلا حدود، فما قيمته؟!

قال العبّاس بن مرداس السُلَمي:

بُغاثُ الطَّيرِ أَكثَرُها فِراخاً وَاُمُّ الصَّقرِ مِقلاةٌ نَزورُ

بُغاث يعني الطيور الرديئة، والمِقلاة: مِفعالٌ من القلْت، وهو الهلاك. والنزور: القليلة الأولاد، من النزْر، وهو اليسير القليل.

خلاصتي وعِبرتي من هذا كُلّه:

صاحب الرأي الأصيل، والمبدع ومُنتج الفكرة الأصيلة، عُملة نادرة، وقيمته في ندرته، أما «الرطرطة» الموجودة في السوشيال ميديا مثلاً، فهي مثل أرانب أستراليا، وملايين الكويكبات الشاردة!

وقد قال شاعرٌ وفارس عربي شهير، هو راكان بن حثلين، فيما مضى عن قيمة الاختصار والإشارة في «الهرج» أي الكلام: «والهرْج يكفي صامله... عن كثيره»!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد