أحمد المغلوث
عندما كنت فتى أتيحت لي فرص عديدة أهمها الرسم وعشق القراءة والاطلاع، وهذا بفضل الله، ومن هذه الفرص أن خالتي «سارة» -رحمها الله- لديها أربعة أبناء، أحدهم كان يدرس في كلية فكتوريا بالإسكندرية، وكعادته عندما يعود في العيدين أو في الصيف تكون حقائبه مكتنزة بالمجلات والروايات، وكان يشجعني -رحمه الله- بأن أدخل إلى غرفته عند غيابه عندما أحضر للدمام لأستمتع بالقراءة والاطلاع، وأزور بيتهم بل أنه أوصى والدته بي خيراً عندما لمس عشقي للقراءة، ومن الروايات الأول التي استمتعت بقراءتها رواية «إني راحلة» والتي تدور حول فتاة اسمها عايدة ترفض أسرتها زواجها من أحد أقاربها بسبب الفارق الاجتماعي والمادي، وتجبرها على الزواج من رجل آخر من طبقتها، مما يدفعها إلى الهروب لاحقًا والبحث عن حبيبها، لتتوالى الأحداث بين الخيانة والموت والانتقام.
وكتابتي عن هذه الرواية ليس بهدف سرد حكايتها الدرامية المثيرة والمدهشة، والتي تحولت لفيلم سينمائي شهير، وإنما تلك المقدمة التي كتبها مؤلفها العبقري «الدكتور يوسف السباعي» حيث كتب في مقدمة الطبعة الأولى: مخاطباً القراء ما يلي: قائلاً إنه يجد في رضائهم عنها أول ثمن يتلقاه على ما بذله من جهد.. وإلا فكفاني إعجابي بها ورضائي عنها، وأغناني الله عنكم وعن أعجابكم.. ويقول: إني كتبتها أولا لنفسي ثم لكم، وإن كان يخفي أنه يتطلع أن يكسب ودهم بطريقة غير مباشرة بل يتضمن ذلك تحفيزاً على اقتنائها بلهفة، وما كتبه «السباعي» قبل 75 سنة كان مشجعاً على الإقبال على شراء روايته، ولاشك بعد هذا وقبل هذا فإن المقدمة لكل مؤلف أكان رواية أو مجموعة قصص أو حتى كتابا ما، فهي تلعب دورًا مهمًا في جذب انتباه القارئ وتهيئته وتشجيعه للشراء، وبعدها الاستمتاع بما يحتويه، وغالباً ما تُقدم معلومات أساسية حول موضوع الكتاب وهدفه وبنيته، وفي بعض الأحيان تُقدم رؤى شخصية حول عملية الكتابة، وهناك من يعد احتفالية لهذا الكتاب أو ذاك مهما كان نوعه مما يساهم في الإقبال والاهتمام به، وبالتالي اقتناء كتابه أو كتابها، ولا يمكن أن ننسى دور المسوقين في هذا المجال، خاصة إذا أحسن اختيار العنوان، وهذا بحد ذاته خير مسوّق لكل كتاب أو رواية، وما يقال عن ذلك يقال عن اختيار تصميم الغلاف؛ فهذا له دور عظيم. وكانت لوحات ورسومات الفنان الكبير (جمال قطب) -رحمه الله - في دار الهلال، والتي تحتل مختلف أغلفة الروايات وحتي الكتب التي تصدر عن الدار ساهمت في عمليات انتشارها، بل قام البعض بتكبير هذه الرسوم وتلك اللوحات مما حقق عائداً مادياً كبيراً للدار والفنان، وماذا بعد؟ يأتي دور المعارض السنوية للكتاب وهو دور كبير في التعريف بالمؤلفين المبدعين الذين تتيح للمؤلف إضاءة مبهرة في زمن القنوات الفضائية والإذاعية، وحتى تراكض السنابيون الذين لهم في التعريف بمن يحبون من المؤلفين دور كبير في إشهارهم وكتبهم. ولن أزيد.