قال له، لماذا تجلس في آخر المجلس، أليس عندك تقدير لذاتك.؟ أجاب بواسطة الأسئلة، من قال إن موقع المقعد هو الذي يقيس تقدير الذات.؟ وهل تقدير الذات يقاس بالمظاهر.؟ أيهما يسبق الآخر، تحقيق الذات أم تقدير الذات؟
في التواصل الإنساني المباشر أو عن طريق الوسائل الحديثة سواء في حوار اجتماعي عادي مثل جلسات الأصدقاء أو في حوار رسمي، في هذا التواصل يستخدم البعض هذه الحوارات لتقييم مهارات الاتصال لدى المشاركين والحكم من خلالها على تقدير الذات. من العبارات المستخدمة في الحوار أن يبدأ المحاور رأيه أو مداخلته بعبارة مثل: (رغم تجربتي القصيرة في هذا المجال مقارنة بالآخرين ولكني سأشارك برأي متواضع) البعض يفسر هذا التمهيد بأنه عدم تقدير للذات في حين يرى آخرون أنه يندرج ضمن آداب الحوار.
يمكن القول إن العبارات المستخدمة في الحوار تعكس أخلاق الإنسان. المتحاورون يرحبون بعبارات مثل: (أحترم كل الآراء المطروحة وأتفهم مبرراتها، ولعلي أضيف إليها رأيا آخر..) صاحب هذه العبارة لديه تقدير للذات وتقدير للآخرين وهو ملتزم بآداب الحوار. عبارة أخرى قد يبدأ بها أحد المتحاورين (مع احترامي للجميع، لم أسمع حتى الآن رغم مضي ساعة رأيا علميا أو منطقيا يمكن الاتفاق عليه).
هذه العبارة تعبر عن شخص يبالغ في تقدير الذات وفي الإساءة للمشاركين في الحوار وتندرج هذه العبارة في خانة مخالفة آداب الحوار ولا يمكن تبرير هذه العبارة مهما كان صاحبها يتمتع بتحقيق الذات (الإنجازات).
هنا نطل على مصطلح (تحقيق الذات) أي تحقيق الأهداف والطموحات والإنجازات، ويحق لمن يصل إلى هذه المرحلة أن يشعر بتقدير الذات دون أن يصل إلى مستوى الغرور أو النرجسية أو الغطرسة، يحق له ذلك ولكن لا يحق له أن ينتقص من الآخرين. الثقة تعد من علامات تقدير الذات وهي من أهم الأسباب التي تقف خلف النجاح لكنها لا تبرر عدم الثقة بالآخرين.
تقدير الذات يأتي بعد تحقيق الذات، ولكل إنسان مجاله الذي يحقق فيه ذاته وليس لهذا علاقة بالشهادات الأكاديمية ولا بالمراكز الوظيفية، تجارب الإنسان وخبراته في أي مجال تمنحه الحق في تقدير الذات وإفادة الآخرين بسلوك بعيد عن التفاخر والتعالي. تحقيق الذات لا ينبغي أن يصل بالإنسان إلى المبالغة في تقدير الذات، يجب أن يتذكر أن الكمال لله، وأنه سيجد التقدير من المجتمع قبل تقديره لذاته إذا كانت إنجازاته في أي مجال ذات تأثير إيجابي في المجتمع.
من صفات الإنسان الذي يتمتع بتقدير الذات القدرة على التفكير الإيجابي، وتجنب جلد الذات، وتجنب النقد الذاتي العلني الذي يعلم المتلقي أنه لا يتفق مع الواقع.
تقدير الذات (الثقة بالنفس) يبدأ من مرحلة الطفولة وهي البوابة إلى تحقيق الذات التي تخدم الفرد والمجتمع. هذا التقدير ليس محصورا في العبارات المستخدمة في التواصل الإنساني والتي ذكرنا فيها بعض الأمثلة، تقدير الذات أشمل وأعمق من ذلك بكثير، هو عنوان وتفاصيل حياة الإنسان وعلاقته بالآخرين وبالمجتمع، هو الثقة بنفسه وقدراته على التطوير الذي يحقق طموحاته ويخدم المجتمع.