ماذا لو حدّثك أحد بوجود متشابهات بين الفضاء الكوني والشرق الأوسط؟ ستقول إنه يُحدّث بما لا يليق، فهو غير عاقل. حتى العقد الثاني من القرن العشرين، كان علم الفلك هو المصطلح السائد. في العقد الثالث، وُلدت الفيزياء الفلكية وأطاحت علم الفلك. قبل ذلك كان الفيزيائيون يتصوّرون أن مجرّتنا، سكة التبّانة، هي الكون كله. الأمريكي «هابل» اكتشف أن وراء أمّنا الكبرى، سكك تبّانة ولبّانة أخرى. من أين كان ل«هابل» أن يعلم أن ورثته في هذا الميدان سيدركون أن الألفي مليار مجرّة التي تلوح تخوماً لا يستطيع عالم أو مقراب تخيّل أبعاد ما وراءها.
الآن ما قصة تماثل المشهدين في منطقة من العالم العربي، والفضاء الكوني؟ ببساطة، في الدعابة قتامات. كم من تراجيكوميديا في ألعاب قصقصة الخرائط: شرق أدنى، شرق أوسط، شرق أوسط متوسط، شرق أوسط كبير، والكبير أصناف، كالذي يضم إيران وتركيا، ثمّ الذي تضاف إليه باكستان، وسيكون قطعاً أكبر عند إضافة أفغانستان. أهل الجغرافيا السياسية واهمون، إذا تخيّلوا اللعبة سهلةً، فإضافة تركيا وإيران وباكستان وأفغانستان ستخلط الأوراق العربية والإسلامية، وليست هذه تلك بالضرورة، عند التمسك بالواقعية السياسية، خصوصاً عند اختلاف التوجهات ووجهات النظر والانحيازات في المواقف. أبعد من ذلك، عندما تدخل في حسابات الشرق الأوسط، إسرائيل، تختلف الاعتبارات جملةً وتفصيلاً. المعمعة الجيوسياسية تغدو جيوستراتيجية، لأنك في هذه الحالة ستضيف إلى المعادلات وزن الولايات المتحدة وأوروبا. ألم نستبن الأمر إلا ضحى الغد، أن حدود الأمن القومي للإمبراطورية تقع في بغداد وكابل ودمشق وطرابلس الغرب وتايبيه وكييف، وكل ذرّة من الكرة الأرضية، بدليل قُرابة ثمانمئة قاعدة عسكرية؟ ليس هذا تقليلاً من جهود إسرائيل في تغيير خريطة الشرق الأوسط.
الخبراء العرب يشبهون الفيزيائيين الفلكيين، المعلومات بحار، والعقل يحار، يغدو أقل من مخ المحار. خبراؤنا، مع حفظ الألقاب، كالأرنب حين تفاجأ بمغناطيس عيني الثعبان، وإلا فهم يعلمون أن الأندلس عندما كانت تلفظ أنفاس سيادتها كانت أفواج من الأوروبيين، إسبان على برتغاليين على فرنسيين وإيرلنديين.. تجار على قراصنة، تتدفق نحو القارة الجديدة. لم يكد يمرّ قرن حتى صار استئصال السكان الأصليين عملاً منظماً ممنهجاً، وإذا الإمبراطوريات الأوروبية له روافد وحماة بترسانات سلاح لا ينضب لها معين. واكتملت الحدوتة بقطب عالمي واحد، بعد قرنين.
لزوم ما يلزم: النتيجة العموديّة: للأسف، قلمٌ خانه الخيال، فلا يوجد شبه بين الشرق الأوسط والقارة الجديدة، ولا شبه في النموّ الفيزيائي بين المشهدين والتوسع الكوني. طاب منام الخبراء.