سمر المقرن
في مجتمعاتنا، لا يُدان الإنسان لأنه أخطأ، بل لأنه اختار!
فالخطأ يمكن احتواؤه، أما الاختيار الحر فيُربك النظام الاجتماعي القائم على التكرار والامتثال الهادئ. المشكلة ليست في القرار ذاته، بل في الطريقة التي اتُخذ بها: دون استئذان، ودون حاجة لشرح مطوّل، ودون انتظار التصفيق.
ليس كل من يسألك عن اختياراتك يريد أن يفهمك. بعض الأسئلة تُطرح بلهجة مهذبة، لكنها في حقيقتها محاولة لإعادتك إلى الصف، إلى المكان الذي ارتاحوا لرؤيتك فيه. وحينها تتحول حياتك إلى مادة قابلة للتقييم، وكأنها مشروع جماعي لا تجربة شخصية!
نحن نعيش في ثقافة تخشى الاختلاف أكثر مما تخشى الخطأ.
الخطأ يُغتفر، أما الاختلاف فيُحاسَب. من يكرر الطريق ذاته يُكافأ، حتى وإن أنهكه.
ومن يشق طريقًا آخر يُلاحق بعلامات الاستفهام، لاحبًا في الفهم، بل خوفًا من سابقة.
المجتمع لا يزعجه قرارك بقدر ما يزعجه أنك اتخذته دون استشارته.
أنك كسرت فكرة «هكذا يجب أن تكون الأمور»، ونجوت.
الصمت الواثق هنا أشد استفزازًا من ألف تبرير، لأنه يسحب من الآخرين حق الوصاية.
الإرهاق الحقيقي لا تصنعه القرارات الصعبة، بل الدفاع المستمر عنها.
لماذا لم تتزوجي؟
لماذا اخترتِ هذا العمل؟
لماذا انسحبتِ؟
أسئلة تبدو عادية، لكنها تحمل رسالة خفية: نحن نراقبك.
ننسى أن بعض القرارات وُلدت في أماكن لا يصلها الآخرون.
في ليالٍ طويلة، وخيبات صامتة، ومحاولات نجاة شخصية.
كيف يمكن شرح قرار أنقذك، لمن لم يشهد غرقك؟
النضج لا يعني أن تكون مفهومًا للجميع، بل أن تكون صادقًا مع نفسك.
أن تدرك أن حياتك ليست استفتاءً عامًا، ولا خياراتك مسودة قابلة للتعديل حسب رغبات الآخرين.
الاختلاف هنا ليس تمردًا، بل شكل من أشكال البقاء.
قد تُساء فهمك، وقد تُتهم بالأنانية أو القسوة أو الغرور.
لكن السؤال الحقيقي الذي يجب أن يواجه كل إنسان هو:
هل نعيش لأننا اخترنا هذا الطريق.. أم لأن الدفاع عنه صار أسهل من تغييره؟

